من جديد، تعود أزمة اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل (عنتيبي) لتتصدر المشهد مع دخولها حيز التنفيذ اعتبارًا من 13 أكتوبر 2024. وقد أثار هذا الأمر قلقًا كبيرًا في مصر والسودان، حيث رفضت الدولتان الانضمام للمعاهدة، مما يضع مستقبلهما في حالة من الغموض. وقد صادقت على الاتفاقية خمس دول هي إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وكينيا، ثم انضمت دولة جنوب السودان في يوليو/تموز الماضي، مما جعلها الدولة السادسة المكمّلة لثلثي دول الحوض. وتنص المادة 43 من الاتفاقية على دخولها حيز التنفيذ بعد 60 يومًا من إيداع وثيقة التصديق لدى الاتحاد الأفريقي، ما يعني أنه تم الانتقال الرسمي لهذه المرحلة.
تأسست اتفاقية عنتيبي تحت رعاية مبادرة حوض النيل، واعتمدها مجلس وزراء الحوض في مايو/أيار 2009، وهي مستوحاة من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدام المجاري المائية. وساهمت خطوة انضمام جنوب السودان في تسريع المرحلة التنفيذية للاتفاقية وإنشاء مفوضية لحوض نهر النيل. وفي بداية سبتمبر/أيلول الماضي، سلمت إثيوبيا الاتفاقية إلى الاتحاد الأفريقي، وهو ما عُدَّ خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون بين الدول المتشاطئة. وعُبّر عن ذلك في رسالة من وزير الخارجية الإثيوبي إلى مجلس الأمن، مؤكدًا أنها تمثل الإطار القانوني الأول لتعزيز التعاون في المنطقة.
تتباين مواقف الدول المشاركة حول بعض مواد الاتفاقية، خصوصًا المادة 14 (ب) المتعلقة بالأمن المائي، التي أثارت معارضة شديدة من قبل السودان ومصر. حيث تطالب كل من الدولتين بصياغة بديلة تضمن عدم تأثير الاتفاقية سلبا على حقوقهما التاريخية في المياه. وتعتبر هاتان الدولتان أن هذا الخلاف قد أعادهما إلى نقطة البداية، إذ يتعلق الأمر بشكل مباشر بالأحكام الواردة في اتفاقيتي 1929 و1959، التي كانت قد حددت حصص المياه لمصر والسودان بشكل خاص.
على الرغم من المساعي العديدة للتوصل إلى صيغة توافقية لمعالجة هذا الخلاف، إلا أن المحادثات لم تحقق تقدماً ملحوظاً، مما دفع بعض الأطراف لاستبعاد الحلول بشكل نهائي. ويقلق خبراء قانونيون من استمرار الظاهرة التي تتمثل في وجود فرص محدودة لتحقيق توافق يأخذ بعين الاعتبار حقوق الدولتين، خصوصًا في ظل عدم انضمامهما إلى الاتفاقية وتركهما خارج نظام إدارتها. كما أن القلق مستمر بشأن تأثير المشاريع التي قد تقوم بها دول المنبع على الحصص المائية المتاحة للدول الأخرى.
تواجه إثيوبيا وضعًا متمسكًا باتفاقية عنتيبي، متخذه كإطار قانوني لتعزيز التعاون، على الرغم من النزاعات القائمة حول سد النهضة. وتدعو أديس أبابا الدول غير الموقعة للانضمام إلى هذه “العائلة”، بينما تؤكد مصر والسودان حاجتهم للتوصل لتفاهم قانوني ملزم يضمن حقوقهم. في المقابل، ترى الدولتان أنه ينبغي معالجة الشواغل التي تتعلق بتأثير الدفعات الأحادية على تدفق المياه وحفظ حقوقهم التاريخية.
مع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، تظل فرص مصر والسودان في التعامل مع الوضع الراهن محل تساؤل. قد تجد الدولتان أنه من الصعب إجراء أي تغييرات في الحصص المائية المعتمدة. وقد جددت الدولتان التأكيد على رفض مواد الاتفاقية، مشيرة إلى عدم التزامهم الكامل بها. وعبر العديد من الخبراء عن قلقهم من المساس باتفاقيات المياه التي تعود إلى فترة سابقة، مشددين على أن جميع الأطراف بحاجة إلى استعادة الحوار للتوصل إلى توافق يحترم حقوق جميع الدول في المياه ويقدم حلاً منصفًا وشاملًا.