بعد شهرين ونصف من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أرسلت إدارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا مذكرة شفهية إلى سفارة إسرائيل في بريتوريا يوم 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، ذكرت فيها أن “انتهاكات إسرائيل في غزة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية”. ونوهت المذكرة إلى أن جنوب أفريقيا تشعر بواجبها لمنع وقوع الإبادة، وخلال الأيام التالية، ردت إسرائيل بمذكرة شفهية لكن الرد كان غير كافٍ. في ظل هذا التصعيد، وارتكاب إسرائيل جرائم ضد الإنسانية، قدمت جنوب أفريقيا شكوى إلى محكمة العدل الدولية، محاولة لتحريك الأبعاد القانونية للنزاع في مواجهة الصمت الدولي.

التجربة التاريخية المؤلمة لجنوب أفريقيا تحت نظام الفصل العنصري أثرت بشكل عميق على قرار الحكومة برفع الدعوى ضد إسرائيل. شهدت البلاد معاناة طويلة تحت حكم التمييز العنصري، مما منحها الفهم العميق لمعاناة الفلسطينيين في غزة. أكدت جنوب أفريقيا من خلال هذه الخطوة تضامنها مع الشعب الفلسطيني في سعيه لتقرير مصيره، مستندة إلى علاقاتها التاريخية مع القضية الفلسطينية والالتزامات القانونية الدولية.

شكوى جنوب أفريقيا تضمنت أدلة على التصعيد الإسرائيلي في غزة، مستندة إلى الجرائم التي تتراوح بين قتل المدنيين وتدمير المنازل، إلى جانب الحصار المفروض الذي يؤثر على إمدادات الغذاء والماء. وقد اعتبرت أن هذه الأفعال تشكل انتهاكًا واضحًا لاتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948. وجاءت الدعوى للدعوة إلى تحريك العدالة ومسألة المساءلة الدولية عن الجرائم، خصوصاً من خلال محاسبة المسؤولين الإسرائيليين الذين يمارسون التحريض على هذه الجرائم.

في 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، أودعت جنوب أفريقيا ملف الدعوى في المحكمة، الذي احتوى على 84 صفحة توضح انتهاكات إسرائيل المتعمدة. وأشارت جنوب أفريقيا إلى أن مسؤولين إسرائيليين يتابعون استراتيجيات لتطبيق الإبادة ضد المدنيين الفلسطينيين، وطلبت من المحكمة اتخاذ تدابير مؤقتة لوقف العمليات العسكرية على الفور وحماية الحقوق المنتهكة.

تفاعلت مجتمعات دولية عديدة مع دعوى جنوب أفريقيا، حيث أعربت أكثر من 65 دولة عن دعمها، بما في ذلك منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية. زادت هذه الدعم الدولية من قوة الدعوى، في حين قامت بعض الدول بقطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بسبب تصاعد الأعمال العسكرية في غزة. وقد أظهرت الجهود العالمية إحساسًا قويًا بالمصلحة المشتركة في مناهضة جرائم الحرب.

في 26 يناير/كانون الثاني 2024، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها بشأن الدعوى، حيث أكدت على ضرورة اتخاذ إسرائيل تدابير لحماية المدنيين ومنع الإبادة، وطلبت منها تقديم تقرير حول التدابير المتخذة. ومع ذلك، فقد عانت المحكمة من قيود في مجال التنفيذ لأن القرارات لا تملك آليات فعالة لتطبيقها. وفي تلك الأثناء، كانت ردود الفعل الإسرائيلية تعكس استمرار الحكومة في إنكار التهم وزعم حقها في الدفاع عن نفسها.

إذا استمرت إسرائيل في عدم الامتثال لقرارات المحكمة، فقد يتعين على الدول الداعمة − بما في ذلك جنوب أفريقيا − اتخاذ خطوات إضافية، مثل تقديم الطلب إلى مجلس الأمن، على الرغم من خطر استخدام حق الفيتو. كما يمكن ممارسة عقوبات دبلوماسية واقتصادية ضد إسرائيل، حيث بدأ العديد من الدول في قطع العلاقات معها. في النهاية، تركت الأحداث تعليقًا على أهمية هذه المحاكمة وتأثيرها على موازين القوى السياسية والاقتصادية في المجتمع الدولي والطبيعة التاريخية لهذه القضية.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version