|

أثار إعلان مالي في 18 مارس/آذار الماضي الانسحاب من المنظمة الدولية الفرنكفونية، بعد يوم من إعلان مشابه للنيجر وبوركينا فاسو، تساؤلات عن تراجع النفوذ الفرنسي في أفريقيا، خصوصا لدى دول الساحل.

وبررت مالي انسحابها بتعارض سلوك المنظمة مع مبادئ السيادة المالية للدولة. وبينما رأت الدول الأخرى أن المنظمة لم تساعد مالي في تحقيق تطلعات شعبها ومارست عليها عقوبات انتقائية، فقد انسحبت هي الأخرى لأسباب تتعلق بالسيادة التي تضعها الحكومات العسكرية على رأس أولوياتها لتثبيت حكمها.

وتعكس بيانات الانسحاب التي نشرتها الدول الثلاث عن ما تبدو أنها قطيعة نهائية بينها وبين المنظمة الفرنكفونية، مما قد ينبئ باتخاذ القطيعة مع فرنسا منحى يتوسط ما بين الجدية ومجرد التهديد بخطوات رمزية، وهو ما ناقشه محمد بن مصطفى سنكري في ورقة تحليلية نشرها مركز الجزيرة للدراسات بعنوان “مغادرة كونفدرالية دول الساحل لمنظمة الفرنكفونية: خلفيات وتبعات”.

قادة دول تحالف الساحل اتهموا المنظمة الفرنكفونية بالتدخل في شؤون دولهم (وكالات)

خطوة أولى للقطيعة مع فرنسا

تأسست المنظمة الدولية الفرنكفونية يوم 20 مارس/أذار 1970 في نيامي عاصمة النيجر بمبادرة من 3 رؤساء أفارقة، وهم رئيس النيجر هاماني ديوري، والرئيس السنغالي ليوبولد سيدار سنغور، والرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، وكان الهدف من ورائها تعزيز التعاون بين الدول الناطقة باللغة الفرنسية، وهي تضم اليوم أكثر من 50 عضوا، و27 دولة مراقبة.

ويعتبر اتحاد دول الساحل أن المنظمة الدولية للفرنكفونية طبقت عقوبات انتقائية منذ حدوث تحولات سياسية في الدول الثلاث إثر انقلابات عسكرية متتابعة، وأعرب قادة هذه الدول عن أسفهم في تجاهل المنظمة لسيادة دولهم بعد 55 عاما من المساهمة في بنائها وتعزيز نشاطها.

ويقع وراء ما اعتبرته دول الساحل تجاوزا للسيادة، رغبة ملموسة في التحرر من كل رموز الاستعمار الفرنسي بعد إجلاء القوات الفرنسية، بل وحتى القوات الأوروبية والأميركية.

وتعتبر دول الساحل فرنسا دولة طرفا في مشكلاتها الوطنية، وتتهمها بأنها لا تزال تستنزف ثرواتها وتدعم حكامها المستبدين وتقف في العلن مع الحكومات في حربها مع الإرهاب، لكنها تدعمه في الخفاء.

جانب من أعمال القمة الـ19 للدول الفرنكفونية التي انعقدت في باريس في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول 2024 (رويترز)

ماذا بعد الانسحاب؟

بالنسبة للنيجر التي احتضنت المؤتمر التأسيسي للفرنكفونية، فإن انسحابها يمثل -ولو رمزيا- خسارة كبيرة للفرنكفونية بصفتها عضوا مؤسسا للمنظمة. فمنذ انقلاب 26 يوليو/تموز 2023 تدهورت العلاقة مع فرنسا وتم تعليق عضوية نيامي في المنظمة، حتى انسحابها رسميا في مارس/آذار الماضي.

ووصف المتحدث باسم المنظمة قرار الانسحاب بـ”المؤسف”، وعبّر عن استعداد المنظمة لاستمرار التعاون بينها وبين الشعب النيجري قائلا “لدينا مشاريع هناك، هل يجب أن نحرم منها الشعب النيجري منها بسبب الانسحاب؟”، مضيفا أن المنظمة تهتم بالمجتمعات الفرنكفونية حتى في الدول غير الأعضاء.

أما مالي وبوركينا فاسو فهما دولتان مؤسستان أيضا للمنظمة وساهمتا في ازدهارها على مدار الأعوام الماضية، لكنهما تشتركان مع النيجر في الأسباب ذاتها للخروج من المنظمة الفرنكفونية وفي التوجه ذاته المعادي لفرنسا والمتجه نحو التقارب مع روسيا.

وتصل المساحة الاقتصادية للمنظمة الفرنكفونية إلى 16% من إجمالي الناتج المحلي العالمي، وفق تقارير المنظمة لعام 2022، ولديها ما يقرب من 15% من الموارد الطاقية والمعدنية في العالم.

وغالبا ما تشترك الدول الأعضاء في المنظمة في خصائص مشتركة مثل التاريخ الاستعماري والروابط التجارية والممارسات القانونية التي يمكن أن تسهل التبادلات التجارية والاستثمارات بين هذه الدول.

وقد ينعكس الأثر السلبي لانسحاب دول الساحل الأفريقي على تراجع استخدام اللغة الفرنسية بوصفها لغة رسمية أو تعليمية لصالح لغات محلية مثل البامبارا والفولانية، لكن صعوبات لوجستية قد تحول بين ذلك.

وقد تعاني دول الساحل المنسحبة من تراجع حاد في الدعم المالي والفني الذي قدمته المنظمة في مجالات الثقافة والتعليم، سواء في شكل منح دراسية أو برامج تدريب المعلمين أو برامج تطوير قطاعات الأرشيف الوطني أو المتاحف، وهو ما قد يؤدي إلى هجرة المثقفين أو الفنانين الذي يعتمدون على الفرنكفونية إلى دول أخرى.

في المحصلة، تبدو عواقب الانسحاب من المنظمة الفرنكفونية مختلطة، فهي إيجابية من ناحية تعزيز الهوية المحلية والسيادة الثقافية وتقليل التبعية لفرنسا لكنها تتطلب استثمارا محليا ضخما لتعويض الفراغ الذي قد ينتج عنه.

 

[يمكنكم قراءة الورقة التحليلية كاملة عبر هذا الرابط]

 

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version