ينهي رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هاليفي مهامه في نهاية مارس/آذار القادم تاركا وراءه جبلا ضخما من التحديات والمهام لخلفه اللواء احتياط إيال زامير، تتعلق بترميم قدرات الجيش واستعادة هيبته وقدرته على الردع.

تحدث هاليفي في كتاب استقالته عن إخفاقات كبيرة منذ هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، وقال: “تكبدنا خسائر فادحة بالأرواح، والحرب تركت جروحا وندوبا لدى الكثير من جنودنا وعائلاتهم”.

وسيتولى خلفه زامير “قيادة جيش استنزف إلى أقصى حدود قدراته بسبب التحديات الأمنية الجديدة التي نشأت”، كما يقول المحلل العسكري يوسي يهوشوع في مقال نشره موقع “آي 24” مطلع هذا الشهر.

سنسلط الضوء في هذا التقرير على أهم المؤشرات التي يرى الخبراء والمحللون أنها تدل على تراجع قدرات جيش الاحتلال وقوته الهجومية.

إيال زامير رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي المعين (مواقع التواصل)

1- خسائر الأفراد

لم ينكر الجيش الإسرائيلي حجم الخسائر البشرية في صفوفه، فقد صرح إيال زامير، المكلف بأعداد القتلى والجرحى، في بيان نشرته القناة 12 الإسرائيلية في الثاني من فبراير/شباط الجاري، أن نحو 5942 عائلة إسرائيلية جديدة انضمت إلى قائمة الأسر الثكلى خلال عام 2024، بينما تم استيعاب أكثر من 15 ألف مصاب في نظام إعادة التأهيل.

وقد برز حجم الخسائر البشرية للجيش الإسرائيلي في الإعلانات الرسمية التي نشرها أثناء الحرب على غزة ولبنان والضفة الغربية، إذ أعلن الجيش عن سحب أكثر من 15 لواء عسكريا من القطاع بعد اشتباكات ضارية، وشملت هذه الانسحابات تشكيلات عسكرية بارزة مثل لواء غولاني واللواء السابع ولواء 188 (باراك) ولواء المظليين (اللواء 35) ولواء غفعاتي.

واعتبر المحلل العسكري يوسي يهوشوع في مقال نشره على قناة آي 24 نيوز أن زامير سيواجه جيشا يقاتل منذ أكثر من عام على عدة جبهات، وتكبد أكثر من 700 قتيل وآلاف الجرحى، واستنزفت قدراته إلى أقصى الحدود بسبب التحديات الأمنية الجديدة.

2- خسائر العتاد البري

في 15 يوليو/تموز 2024، أقر الجيش الإسرائيلي بأن دبابات كثيرة تضررت في الحرب، وأن هناك نقصا في الذخيرة. وفي المقابل، تحدثت المقاومة الفلسطينية في بياناتها المختلفة عن خسائر كبيرة ألحقتها بصفوف الجيش الإسرائيلي ومن ذلك تدمير دباباته.

وقالت “كتائب القسام” في فبراير/شباط 2024 إنه “منذ بداية الطوفان نجحنا في تدمير وإعطاب أكثر من 1108 آليات عسكرية إسرائيلية”. وأضافت أنه من بين الآليات 962 دبابة و55 ناقلة جند و74 جرافة و3 حفارات و14 سيارة جيب عسكرية”.

ولفت المختص في الشؤون الإسرائيلية مأمون أبو عامر، في حديث للجزيرة نت، إلى أن زامير هو أول رئيس أركان للجيش الإسرائيلي منذ السبعينيات يأتي من سلاح المدرعات، وليس من سلاح الاستخبارات أو سلاح الجو، لذا سيسعى إلى زيادة القدرات البرية، خصوصا أنها الأكثر تضررا في الحرب على غزة.

وأكد المختص في الشؤون الإسرائيلية عزام أبو العدس أن مسألة الخسائر في المدرعات والآليات، من أكبر التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي.

وقال للجزيرة نت: “الصور والفيديوهات التي كانت قد بثتها المقاومة، يمكن اعتبارها قرائن لما حدث في قطاع غزة، حيث يدور الحديث عن خسارة نصف إلى ثلثي الآليات التي يمتلكها الاحتلال، وهذه خسائر ضخمة جدا”، وأضاف أن من مؤشرات ذلك “إدخال الاحتلال مدرعات قديمة إلى الخدمة ودبابات الميركافا 3 في الخطوط الخلفية، إضافة لاكتشاف عيوب تشغيلية خطيرة في دبابة الميركافا 4”.

واعتبر أبو عامر أن “تعويض النقص في الدبابات والمدرعات إضافة للتكلفة المالية العالية، آخذين بعين الاعتبار عنصر الوقت -وهو الأهم- هي معيقات جدية، فقدرة الصناعات العسكرية الإسرائيلية على إنتاج آليات تغطي هذا النقص في حالة إعادة ترميم الدبابات، والاستعداد لما يمكن أن يكون حروبا أخرى، ضعيف جدا”.

3- التكلفة المالية

تشير تقديرات بنك إسرائيل، بحسب ما نقلت صحيفة ذا ماركر الاقتصادية في 11 يناير/كانون الثاني 2025، إلى أن تكلفة الحرب بلغت نحو 250 مليار شيكل، (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024، وهي تشمل التكلفة الأمنية المباشرة والنفقات المدنية الضخمة وخسارة الإيرادات.

لكن هذا ليس كل شيء، فهناك ثمن باهظ آخر للفشل، مثل الحاجة إلى زيادة هائلة في ميزانية الأمن في العقد القادم، وهو ما يتطلب المزيد من الطائرات، والمروحيات، وناقلات الجنود المدرعة، والأسلحة، وعدد كبير من البشر.

وقدم زامير في الثاني من فبراير/شباط إنجازاته كمدير وزارة الجيش لعام 2024، وهو العام الذي تميز بعمليات شراء وتعزيز غير مسبوقة وفقا لما نشرته القناة 12 التي تقول: “بلغت ميزانية الجيش حوالي 190 مليار شيكل هذا العام، واشترت وزارة الجيش أسلحة ولوجستيات بتكلفة 220 مليار شيكل، أي أكثر من 4 أضعاف السنة العادية”.

وقد نشرت لجنة “ناجل”، التي عينتها الحكومة الإسرائيلية للتوصية بحجم وقيمة زيادة ميزانية الجيش، توصياتها في مطلع يناير/كانون الثاني 2025، ونصت على أن الزيادة المطلوبة هي 15 مليار شيكل كل عام.

وتساءل سامي بيرتس، كاتب تقرير ذا ماركر: “إذا كانت ميزانية الجيش حتى الآن تكلف كل إسرائيلي ما متوسطه 7 آلاف شيكل سنويا، فإنها الآن ستكلف ما متوسطه 10 آلاف شيكل للشخص الواحد سنويا. من أين سيأتي المال؟”.

كم بلغت تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزة خلال عام؟

4- الاعتماد على الغرب

في أحدث مقابلة مع وزير الجيش السابق يوآف غالانت، اعترف بوجود نقص شديد في الذخائر في مستودعات الجيش الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث قال في لقاء مع صحيفة يديعوت أحرنوت في السابع من فبراير/شباط الجاري: “قبل أن أتولى منصبي، تم تقليص الخدمة المنتظمة من 36 شهرا إلى 32 شهرا. ما الذي يشير إليه هذا بشأن ما تفكر فيه دولة إسرائيل بشأن التهديدات؟ عندما توليت منصبي، كان تخصيص الموارد للجيش الإسرائيلي بالقيمة الحقيقية يتناقص فيما يتعلق بالناتج القومي الإجمالي”.

وأضاف غالانت: “في الأيام الأولى من مهامي كوزير للدفاع، أجريت ما يسمى بإحصاء الجرد، اتضح أنهم أخذوا 200 ألف قذيفة عام 2022 لصالح الحرب في أوكرانيا، والتي يحصل عليها الجيش الإسرائيلي من مستودعات الجيش الأميركي”.

وتشير تصريحات غالانت إلى الاعتماد الكلي من الجيش الإسرائيلي بكافة أذرعه على ترسانة الأسلحة والصواريخ الأميركية التي كان لها الدور الأبرز في قدرة الجيش الإسرائيلي على الصمود، في الحرب الطويلة على الجبهات المختلفة.

وتعتبر صفقة السلاح الأخيرة التي أعلنها البيت الأبيض بقيمة 8 مليارات دولار، وفقا لما نشرته صحيفة معاريف، أحدث مظاهر الاعتماد الإسرائيلي على التسليح الأميركي، حيث تتضمن الصفقة نحو 18 ألف قنبلة للطائرات، على أن يبدأ تسليمها عام 2025.

وتتضمن الصفقة أيضا 3 آلاف صاروخ لطائرات الهليكوبتر القتالية وطائرات من دون طيار من طراز “هيلفاير”، على أن يبدأ تسليمها عام 2028.

إضافة لما أعلنه المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، من نية واشنطن نقل أحد أقوى أنظمة الأسلحة غير النووية، قنبلة “جي بي يو 43” المعروفة باسم “أم القنابل” إلى إسرائيل، كما ذكرت صحيفة “بيلد” الألمانية لأول مرة.

قنبلة من طراز “جي بي يو 43” المعروفة باسم “أم القنابل” التي تنوي واشنطن إرسالها لإسرائيل (رويترز)

5- جيش صغير

ونشر الوزير السابق حاييم رامون مقالا لتكذيب غالانت في صحيفة معاريف تحدث فيه عن ضعف قدرات الجيش على الصمود في حرب برية، بناء على هيكليته الصغيرة نسبيا.

واستدل على ذلك بأنه عندما اقُترح في مجلس الحرب تنفيذ هجوم متزامن في شمال وجنوب قطاع غزة، عارض غالانت هذا الاقتراح بشدة، وأكد أن الجيش الإسرائيلي تجنب العمل المتزامن في جميع أنحاء القطاع، تحت إشراف وموافقة غالانت.

وأضاف أنه رغم أن فرق المناورة في غلاف غزة تصل إلى 5، فإنه عندما حاول غالانت شن حرب برية في الشمال في 11 أكتوبر/تشرين الأول، لم يكن هناك سوى فرقة واحدة في الشمال.

رامون تحدث في مقاله عن ضعف قدرات الجيش الإسرائيلي على الصمود في حرب برية بناء على هيكليته الصغيرة نسبيا (غيتي)

6- تراجع الثقة بالجيش

من أخطر الملفات التي تواجه الجيش الإسرائيلي تراجع الثقة به وبقياداته الأمنية والعسكرية من قبل الجمهور الإسرائيلي.

وسلط يانيف كوبويتش الضوء على هذه المعضلة في مقال نشرته صحيفة هآرتس بالقول: “رغم التهديدات الأمنية التي تواجهها إسرائيل والقتال المستمر الذي تخوضه القوات العسكرية في ساحات مختلفة، فإن المهمة الأولى والأهم التي سيضطلع بها زامير ستكون إعادة الجيش الإسرائيلي إلى الشعب، فضلا عن استعادة ثقة الجمهور في الجيش، والتي تآكلت على مدى السنوات الأخيرة منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)”.

ويرى المختص في الشؤون الإسرائيلية مأمون أبو عامر “أن إعادة الثقة بين الجمهور الإسرائيلي وقياداته الأمنية والعسكرية هي أبرز الملفات والتي وصلت قبل الانقلاب القضائي إلى 95% وتراجعت إلى 77%.

وتشير استطلاعات الرأي إلى تراجع كبير في الثقة من قبل الجمهور الإسرائيلي بالجيش والقيادات الأمنية والعسكرية، وفقا لما نشره معهد “سياسة الشعب اليهودي”، التابع للوكالة اليهودية، في يوليو/تموز الماضي.

وفي الرد على سؤال في الاستطلاع “كيف تحدد ثقتك في القيادة العليا للجيش الإسرائيلي؟”، جاءت الإجابة من 55% بأن ثقتهم منخفضة أو منخفضة جدا بكبار القادة”.

7- السيطرة السياسية

ومن أبرز التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي أيضا تدخل القيادة السياسية في التعيينات. يقول عاموس هارئيل، المحلل العسكري في مقال لصحيفة “هآرتس”، إن “تقاعد هاليفي يُستغل في عملية استيلاء واسعة النطاق على التعيينات من جانب رئيس الوزراء للمستويات الأدنى منه. لقد زعم كل من كاتس ونتنياهو أن هاليفي، بسبب مسؤوليته عن الإهمال خلال هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لم يكن مؤهلا لتعيين ضباط جدد في مكانه”.

وقال يانيف كوبويتش من صحيفة هآرتس: “سيتعين على زامير أن يواجه استنتاجات لجنة ناجل، وهي اللجنة التي تم تعيينها من قبل المستوى السياسي”.

ولفت إلى أن اللجنة حرصت على وضع خطة من شأنها أن تزيد من اعتماد الجيش الإسرائيلي على المستوى السياسي، ففي كل ما يتعلق بالتعزيزات العسكرية سوف يتطلب من المؤسسة الدفاعية أن تقبل موافقة المستوى السياسي، وهو ما من شأنه أن يخلق علاقة اعتمادية، ونوعا من “العطاء والأخذ” من القضايا الهامشية إلى الأهداف الإستراتيجية.

ومن الأمثلة الصارخة في تدخل المستوى السياسي في التعيينات، تجميد تعيين عدد من الجنرالات في مناصب حساسة في الجيش الإسرائيلي من قبل وزير الجيش الجديد يسرائيل كاتس، بسبب عدم الانتهاء من تحقيقات الجيش وعلاقة الضباط المعينين، بفشل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

كما أمر كاتس رئيس الأركان بتوبيخ رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية، اللواء شلومي بيندر، على الكلمات المنسوبة إليه ضد خطة الرئيس ترامب بشأن غزة.

وجاء في بيان كاتس أنه “لن يكون هناك واقع يتحدث فيه ضباط الجيش الإسرائيلي ضد خطة الرئيس الأميركي ترامب المهمة بشأن غزة، وضد توجيهات المستوى السياسي”.

(من اليمين إلى اليسار) كاتس ونتنياهو وهاليفي (الفرنسية)

8- نقص القادة

ولفت عوفر شيلح، رئيس برنامج سياسة الأمن القومي في معهد دراسات الأمن القومي، في مقال نشرته القناة 12 في الثاني من فبراير/شباط الجاري إلى أن الأزمة في الجيش التي كشفتها الحرب تظهر جليا بشكل خاص في القوات البرية، سواء النظامية أو الاحتياطية حيث يرتفع معدل القادة الميدانيين الذين قُتلوا أو أصيبوا في المعارك.

وتحدث عن رحيل جماعي للضباط الواعدين برتبة نقيب وما فوق، مضيفا: “لقد فشلت حتى الآن معالجة هذه القضية، ويرجع ذلك -بشكل كبير- إلى فقدان سلطة القيادة بسبب استمرار وجود المسؤولين عن الإخفاقات الخطيرة في مناصبهم في بداية الحرب”.

واليوم، يعاني الجيش الإسرائيلي من مزيج قاتل من التعب العميق، والأطر الفارغة التي لا تكفي أعدادها وكفاءتها، وفوق كل شيء ضعف الانضباط والقيم.

9- تجنيد الحريديم

وفقا لعضو الكنيست، ميراف كوهين، يحتاج الجيش الإسرائيلي 12 ألف جندي لسد النقص في عدد الجنود، وهذا لا يأتي إلا بتجنيد الحريديم.

واعتبر مأمون أبو عامر أن تجنيد الحريديم من أصعب الملفات، مشيرا إلى أن الحكومة الحالية قائمة على حزبي “شاس” و”يهدوت هتوراة” الحريديين، وهما يهددان بشكل صريح بإسقاط الحكومة إذا تم إقرار تجنيد الحريديم، وقد أدى قرار وزير الجيش السابق غالانت بإرسال 7 آلاف أمر تجنيد للحريديم إلى دفع نتنياهو لإقالته.

10- استنزاف الاحتياط

وسلط المختص بالشؤون الإسرائيلية، عزام أبو العدس، الضوء على الأعباء المفروضة على الاحتياط الذين كانوا هم العمود الفقري للحرب الأخيرة في قطاع غزة وفي لبنان والآن في الضفة الغربية.

ولفت أبو العدس إلى أن الاحتياط هم جنود أعمارهم عادةً تكون في بداية الثلاثينيات فما فوق، ونسبة كبيرة منهم هم أرباب أسر، وأعمال اقتصادية.

ويضيف توسيع قوانين خدمة الاحتياط لتكون فترتين و3 فترات، بما يمكن أن يصل إلى ما بين 200 إلى 300 يوم، في كثير من الأحيان، عبئا هائلا على هؤلاء الجنود وعلى عائلاتهم، وأوضاعهم الاقتصادية.

وبالتالي، يقول أبو العدس، “هناك انخفاض كبير في نسبة خدمة جنود الاحتياط، ويستحيل تجاوز هذه المعضلة تقريبا في الحروب الطويلة”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version