طرابلس- تقول صحفية ميدانية، فضّلت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، إن “الخط الأحمر” في ليبيا لم يعد مرتبطا بالمواضيع فحسب، بل أصبح مرادفا للأشخاص الذين يمتلكون السلطة، وما يُعتبر مقبولا في مدينة ما قد يُعد محرّما في أخرى.

واستحضرتْ الصحفية، خلال حديثها للجزيرة نت، واقعة أُوقفت فيها لعدة ساعات بعد تغطيتها حدثا ميدانيا، إذ طوقت المكان آليات أمنية تقودها عناصر مسلحة، فقط بسبب وجودها الإعلامي في الميدان. وأفادت أنَها أُجبرت على توقيع تعهدات تمنعها من تغطية ملفات أو شخصيات معينة، بل وتُلزمها بإبلاغ الجهات الأمنية عن أي نشاط إعلامي لزملائها.

ويوافق الثالث من مايو/أيار كل عام، اليوم العالمي لحرية الصحافة، بموجب قرار من الأمم المتحدة في 20 ديسمبر/كانون الأول 1993.

المركز دعا لإنشاء مجلس أعلى مستقل للإعلام (غيتي)

خطوط حمراء

بدوره، يقول الصحفي الليبي منصور عاطي، الذي تعرّض للاختطاف والإخفاء قسرا عام 2021 على خلفية نشاطه الإعلامي والحقوقي، أنّ “الحديث عن قضايا مثل الفساد، وملف الهجرة، والحريات الفردية، والحق في الوصول للمعلومة، جميعها أصبحتْ خطوطا حمراء”.

أما الصحفي أحمد السنوسي، الذي تعرّض للاختطاف واحتُجز لمدة 3 أيام على خلفية نشره وثائق تتعلّق بملفات فساد، فيرى أن “الخط الأحمر في ليبيا لا يُرسم حول المواضيع فحسب، بل يُحدَّد عند حدود فضح شبكات الفساد”.

وردا على سؤال الجزيرة نت حول ما إذا كان الصحفي، بعد كل هذه التحديات، عليه أن يكتفي بنقل الخبر الآمن، قال السنوسي إن “المسألة تعتمد على الصحفي نفسه، إما أن يصطف مع السلطة وينعم بامتيازاتها، أو أن يختار الانحياز للرأي العام ويصمد في وجه القمع” حسب تعبيره.

ويتفق مع هذا الطرح الصحفي ومدقق الحقائق أحمد زريق، الذي يرى أنّ مجرد التطرّق إلى ملف فساد قد يُجرّم باعتباره تحريضا أو خيانة، ويضيف “أعمل على تفنيد الأكاذيب وكشف التضليل، لكن أُواجَه بالتهميش والتضييق بدلا من الحماية ” وفق قوله.

وعلى الضفة الأخرى، ترى الصحفية هند الهوني التي تعمل في الهيئة العامة للصحافة في بنغازي، أن المشهد الإعلامي شهد شيئا من الانفراج، إذ بات متاحا تناول قضايا كالفساد والنقد العام ضمن هامش يُوصف بأنه جاد، وإن ظل محكوما بسقف لا يُمكن تجاوزه.

بين التوثيق والمُساءلة

ورغم أن ليبيا قد شهدت تحسنا طفيفا في ترتيبها العالمي ضمن مؤشر منظمة “مراسلون بلا حدود” لحرية الصحافة، إذ ارتفعت من المرتبة 160 عام 2010 إلى المرتبة 143 في عام 2024، فإن هذا التقدم لا يعني بالضرورة تحسنا نوعيا في البيئة الإعلامية، فخلال العقد الأخير (من 2014 إلى 2023)، وثّق المركز الليبي لحرية الصحافة 488 انتهاكا ضد الصحفيين، توزعت بين حالات اختطاف واعتقال تعسفي.

يقول رئيس قسم الرصد والتوثيق في منظمة رصد الجرائم في ليبيا أحمد مصطفى للجزيرة نت، إن المنظمة وثقت أكثر من 20 انتهاكًا لحقوق الصحفيين في تقريرها السنوي لعام 2024، شملت الاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري والتهديدات، إضافة إلى المضايقات الأمنية.

وحول سؤال الجزيرة نت ما إذ كان التوثيق مجرد أرشفة أم يتخذ مسارا للضغط والمساءلة، أوضح أن “المنظمة لا يقتصر دورها على التوثيق المحلي فحسب، بل تسهم في دعم آليات المحاسبة الدولية، بتقديم تقارير وأدلة تثبت الانتهاكات وتربط الضحايا بالآليات الدولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية وفريق الخبراء التابع للأمم المتحدة”.

وهو ما عزّزته بدورها الباحثة ومديرة المشاريع في المركز الليبي لحرية الصحافة إيمان الدغيلي، التي أكدتْ أنّ توثيق الانتهاكات في المركز يُفعّل ضمن حملات المناصرة والضغط، مشيرة إلى أن أبرز التحديات التي تعقّد جهود التوثيق هي تردد الضحايا بالإدلاء بشهاداتهم.

من وقفات سابقة ضد قمع الصحافة في ليبيا الجديدة ( الجزيرة نت).
صورة أرشيفية من وقفة ضد قمع الصحافة في ليبيا (الجزيرة)

حلول مطروحة

يرى رئيس المركز الليبي لحرية الصحافة محمد الناجم، أن ليبيا أخفقت بشكل صارخ في مساءلة مرتكبي الانتهاكات ضد الصحفيين، إذ لم تشهد السنوات الماضية أي تحقيقات نزيهة أو جدية في حوادث القتل أو الاختطاف، وأكد ضرورة إنشاء مجلس أعلى مستقل للإعلام، يمتلك الصلاحية الكاملة بتنظيم القطاع وضمان استقلاليته عن السلطة السياسية.

في المقابل، اعتبر أستاذ القانون العام مجدي الشبعاني، أن المشكلة في ليبيا لا تكمن في غياب الإشارة لحرية التعبير، بل في الصياغات العامة والفضفاضة، وأوضح في حديثه للجزيرة نت، أن الإعلان الدستوري الليبي لسنة 2011 -ورغم تعديله عدة مرات- اكتفى بالتنصيص على ضمان حرية الرأي والتعبير والإعلام، دون أن يتبع ذلك نصوصا تكفل الحماية من الانتهاكات.

وأضاف أن استمرار العمل بتشريعات قديمة -مثل قانون المطبوعات رقم 76 لسنة 1972، الذي ما يزال يُجرّم الصحافة في العديد من مواده- “يعزز بيئة قانونية غير حمائية، تتيح للسلطات التنفيذية صلاحيات واسعة للتوقيف والملاحقة، مما يجعل هذه القوانين أداة تقييد، بدلا من حماية الصحفيين”.

وأشار الشبعاني إلى أن الحل يكمن في وجود إرادة سياسية وتشريعية جادة، ترفع الإعلام إلى مستوى الشريك في بناء الدولة، لا خصما يجب تحجيمه، وفي وجود نص دستوري واضح يكفل حماية الصحفيين، واستقلالية المؤسسات الإعلامية وتحريرها من التبعية السياسية.

من جانبه، أكد عضو مجلس النواب علي بوزريبة في حديثه للجزيرة نت، على انفتاح البرلمان على دراسة ومراجعة التشريعات المتعلقة بحماية الصحفيين، موضحا أن المبادرة والمسؤولية في هذا السياق تعود بالدرجة الأولى على نقابة الصحفيين، وأن “البرلمان سيولي أي مقترح الاهتمام اللازم، وسيقره في حال ثبت انسجامه مع المصلحة العامة”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.