“الإجابة تونس”، عبارة كانت تتردد على ألسنة المتحمسين لربيع العرب، حيث اعتبرت تونس نموذجاً لحل المشاكل المعقدة. وكان الإسلاميون والعلمانيون ينظرون إلى تجربتها بحماس، خصوصاً بعد أن صمدت حركة النهضة في الحكم وتفادت الإقصاء. ولكن الشعب التونسي كان لديه تصور مختلف عن ثورته. فقد عانى من الاحتلال الفرنسي ثم من أنظمة بوليسية لسنوات، وكانت انطلاقة ثورة البوعزيزي في 2010 الأمل في حياة أفضل، لكن الكثير من هذه الأحلام تبخرت، وربما تسير نحو حكم أحادي تحت غطاء ديمقراطي.

دخل قيس سعيد إلى رئاسة تونس في 2019 بوعود كبيرة، محملاً بتفاؤل شعبي، حيث حصل على 72.71% من الأصوات. اعتمد سعيد على الشباب الساعي للتغيير، وتجنب الانغماس في المؤسسات السياسية التقليدية. ومع ذلك، كانت خطته السياسية غامضة نوعاً ما ولم تتضمن تفاصيل واضحة. لكنه استطاع استقطاب الدعم الشعبي الكبير في ظل أوضاع البلاد المعيشية الصعبة. كان سعيد يأمل في استعادة الثقة المفقودة، ولكنه سرعان ما واجه تحديات سياسية كبيرة في بداية حكمه.

اعتبر سعيد أن مفتاح حل مشكلات تونس هو إلغاء نظام البرلمان. فأخذ العديد من الإجراءات في يوليو 2021، عزل خلالها الحكومة وأوقف عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب. هذا “الانقلاب الدستوري” أطلق موجات من الانتقادات المحلية والدولية، ولكنه منح سعيد نوعاً من الاستقرار الشخصي. استنكر معارضوه محاولاته لإنهاء التعددية السياسية ولكن سعيد استمر في مساعيه للهيمنة على السلطة.

رغم انطلاقته القوية، واجه قيس سعيد عواقب أفعاله. التحديات الاقتصادية والاجتماعية ازدادت عمقاً، وكان الإحباط يتزايد بشكل مستمر. على رغم ذلك، كانت لديه رؤية “غير تقليدية” لكيفية حكم البلاد، حيث اعتبر الأحزاب السياسية والطبقة السياسية التقليدية عبئاً على تطلعات الشعب التونسي. في هذا السياق، أقر سعيد بأهمية اختصار السلطة في يد رئاسة الجمهورية، وهذا ما اتضح من خلال الاستفتاء على دستور جديد يعيد تركيز السلطة بطريقة موسعة.

ومع دخول تونس أزمات جديدة، أشتعلت الاحتجاجات، مما أعطى قيس سعيد الفرصة لاستخدام هذه الأجواء لتعزيز موقفه. لكن هذه الأزمات زادت من اتساع فقر العيش لدى التونسيين، في وقت يرسخ فيه سعيد سلطته من دون أي توازن سياسي. كان سعياً لتصفية الأوضاع التي تجعل الناس يتطلعون إلى التغيير السياسي الذي قدمت له الانتخابات كحل. ولكن تجاوب الساحة السياسية قد يجعل من لجوء سعيد للدمج بين السلطة المدنية والعسكرية إجراءاً مقلقاً.

في اللحظة التي اعتقد فيها سعيد أنه قد أنهى قضايا الفساد والمشاكل الاقتصادية عبر سيطرته المطلقة على الحكم، تبين أن الصراع السياسي ما زال مستمراً في الخفاء. وقد استخدم الجيش كحليف لضمان استمرارية حكمه. لذا، فإن المزج بين الحكمة السياسية والسيطرة العسكرية قد يعود بنتائج غير محسوبة على مستقبل البلاد. في النهاية، يقود قيس سعيد تونس إلى مسار ينفرد فيه على الرغم من التعقيدات التاريخية والسياسية المعقدة التي تواجهها تونس، والتي تتجاوز مجرد تغييرات في السلطة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version