في ظل تصاعد الأعمال القتالية بين مقاومي حركة حماس وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، قام وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو بزيارة لإسرائيل، حيث التقى عددًا من المسؤولين. جاءت هذه الزيارة بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لعملية طوفان الأقصى، حيث أكد بارو على التزام فرنسا بأمن إسرائيل. ومع ذلك، شدد على أن “القوة وحدها لا يمكن أن تضمن أمن إسرائيل”، مشيرًا إلى أهمية الإفراج غير المشروط عن المحتجزين. من جانبه، اتهم بارو حزب الله بجلب لبنان إلى حرب لم يختاره، مؤكدا على مسؤوليته عن تصعيد القتال في المنطقة.
في أعقاب إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن توقف بلاده عن تسليم الأسلحة التي تستخدم في القتال في غزة، نشبت مشادات كلامية بينه وبين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، الذي انتقد موقف ماكرون. ومع ذلك، أكد ماكرون أن فرنسا ملتزمة بأمن إسرائيل وتعتقد أن لها الحق في الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب، مبدياً اعتقاده بأن الوقت قد حان لوقف إطلاق النار. المحلل السياسي جان بيير بيران اعتبر أن هذه الزيارة ضرورية، لتأكيد الموقف الفرنسي المتضامن مع إسرائيل، لكن الحكومة الفرنسية تدرك أيضًا أن تسليح إسرائيل يؤدي إلى تفاقم الأوضاع.
في الوقت ذاته، تعتقد ليزلي فارين، مديرة معهد دراسات العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، أن الموقف الفرنسي لا يهم إسرائيل كثيرًا، طالما أن الولايات المتحدة تواصل دعمها العسكري. كما رأت أن تصريحات بارو حول ضرورة إفساح المجال للدبلوماسية تشير إلى أهمية وقف إطلاق النار والتفاوض من أجل حلول سياسية، ولكنها انتقدت عدم اعتراف فرنسا بفلسطين كدولة، مما يعكس ترددها في اتخاذ خطوات ملموسة.
على الرغم من محاولات فرنسا للظهور كوسيط في المنطقة، يعتقد خبراء الشرق الأوسط أن دبلوماسيتها تواجه تراجعًا غير مسبوق، حيث لم يعد لديها القدرة على التأثير في الأوضاع التي تشهدها غزة ولبنان. ليزلي فارين اعتبرت أن دعم فرنسا لإسرائيل منذ بداية النزاع قلل من صوتها في الساحة الدولية. بينما أشار المحلل فيران إلى أن فرنسا باتت بعيدة عن الأساليب الدبلوماسية التي اتبعها روساء سابقون، مما أثر على دورها ونفوذها.
من ناحية أخرى، شدد بارو على أهمية الاتساق في المواقف، مؤكدًا على عدم إمكانية دعوة لوقف إطلاق النار وفي نفس الوقت تسليح المقاتلين. تحليل المحلل السياسي بيران يشير إلى أن باريس تسعى للحفاظ على تحالفاتها مع تقديم ضمانات معينة، بما في ذلك الحذر تجاه الهجمات على لبنان. ومن خلال تاريخه الطويل في العلاقات مع لبنان، يبدو أن ماكرون يسعى للحفاظ على الاستثمارات الفرنسية هناك.
في سياق الأحداث، تعتقد ليزلي فارين أن ما دفع فرنسا إلى إعادة تقييم موقفها هو تزايد القلق من تصرفات نتنياهو في الساحة الدولية، وتحديدًا في نيويورك. وبينما ترى أن الولايات المتحدة تبقى الحليف الأهم لإسرائيل، تعتبر فارين أن تصريحات بارو كانت متسقة ولكنها تفتقر إلى التوازن، خاصة في ضوء المجازر التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. بشكل عام، يتفق المحللون على أن الدور الفرنسي في السياسة الإقليمية أصبح مقيدًا ويعاني من قيود ترتبط بالهيمنة الأميركية على القرارات الحيوية.