يعيش المجتمع الأمريكي في حالة من الانقسام الحاد، حيث باتت العواطف والآراء الشخصية تحل محل الحقائق الموضوعية، مما أدى إلى ظهور “فقاعات معلومات” تعزز من نظريات المؤامرة. وكما أشارت مراسلة صحيفة واشنطن بوست سارة إليسون، فإن خوف الناخبين من التعبير عن آرائهم ووجهات نظرهم أصبح من أبرز ملامح النمط السياسي المعاصر، خاصة قبيل الانتخابات بين كامالا هاريس ودونالد ترامب. ويتجلى ذلك في عدم رغبة الكثيرين في مناقشة اختياراتهم السياسية علنًا، ما يعكس مدى خطورة الانقسام السياسي الذي يعيشه المجتمع.

تتفاقم هذه الأزمة بسبب الارتفاع في معدلات الخوف من ردود الفعل العنيفة بين الأشخاص المتباينين في آرائهم، مما يعزز انتشار المعلومات الخاطئة ويصعب إتاحة المجال للحوار البناء. ومن بين النظريات التي انتشرت في هذا الإطار هي أن الديمقراطيين يقومون بـ “استيراد” المهاجرين للتصويت بشكل غير قانوني، وأن هناك مؤامرات لاغتيال حلفاء ترامب. كما تبرز أمثلة أخرى مثيرة للسخرية مثل أن الهايتيين يأكلون الحيوانات الأليفة. وتشير هذه الأمثلة إلى كيفية تجذر المعتقدات الخاطئة في عقول الناس، مما يعيق التفاهم والنقاش الصحي.

انتشار نظريات المؤامرة ليس ظاهرة جديدة، بل ساهم فيها ترامب من خلال تعزيز الشكوك والمعلومات المغلوطة منذ توليه منصبه. ومن المهم التأكيد على أن تآكل الثقة تجاه مؤسسات السلطة التقليدية، بما في ذلك الإعلام والدوائر الانتخابية، قد زاد من مستوى الارتياب فيهم. كما تلعب خوارزميات الإنترنت دورًا كبيرًا في جذب الانتباه إلى الأخبار المثيرة والبعيدة عن الواقع، مما يساهم في تقوية أنماط التفكير السلبي وتبني نظريات المؤامرة.

علاوة على ذلك، انخفضت ثقة الجمهوريين بوسائل الإعلام التقليدية بشكل ملحوظ، حيث تراجعت من 70% في عام 2016 إلى 40% في عام 2024. وهذا التغير يرجع إلى هجمات شخصيات مثل ترامب على الصحافة، مما أدى إلى تكريس انعدام الثقة في الإعلام. وكرد فعل، أصبح الكثيرون يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر رئيسي للمعلومات، مما يشكل تهديدًا لديمقراطية المجتمع الأمريكي بسبب انتشار المعلومات المضللة.

أكد خبراء ومحللون أن هذه الأزمة تعكس تهديدًا وجوديًا للديمقراطية، حيث ساهمت سنوات من الخطاب الحزبي في تغذية الانقسامات. وقد أظهرت النتائج أن الأمريكيين يتجهون بشكل متزايد إلى الأشخاص المرتبطين بهم، مثل الأصدقاء وأفراد العائلة، للحصول على الأخبار، مما يؤدي إلى تعزيز الوهم بأن المعلومات الموثوقة تأتي من أولئك الذين يعرفونهم شخصيًا.

تؤكد كلير واردل، أستاذة في جامعة كورنيل، أن المعلومات المضللة ليست مجرد حالة فردية، بل تبني عقلية تآمرية تتسرب إلى الفكر الاجتماعي مع مرور الوقت. وهكذا، فإن المجتمع الأمريكي قد دخل في حلقة مفرغة من الانقسام والمعلومات المغلوطة، الأمر الذي يستدعي إدراكًا جماعيًا للخطورة التي يعاني منها النسيج الاجتماعي والسياسي، والعمل على تعزيز الثقة بين الأفراد والدفاع عن الحقيقة.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version