بعد انتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفياتي، بدأت الهند تسعى لتعزيز مكانتها العالمية وتحقيق طموحاتها الإقليمية من خلال بناء تحالفات استراتيجية مع الولايات المتحدة ودول أخرى. هذا التوجه يعكس رغبة نيودلهي في الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن، لمنافسة الصين الاقتصادية والسياسية، إذ ترى الهند أنها لن تحقق هذه الطموحات إلا عبر قفزة اقتصادية كبيرة. تلعب استراتيجياتهم في منطقة المحيط الهندي، خاصة عبر ميناء تشابهار الإيراني، دورًا محوريًا في تعزيز نفوذها في جنوب آسيا وآسيا الوسطى، وهو ما يعكس أهمية التنافس الجيوستراتيجي مع الصين، التي تعاني الهند من اختناق في سلاسل الإمداد بسبب تحالفها مع باكستان.

في إطار السياسات الهندية، برزت استراتيجية “قلادة الماس” التي تهدف إلى محاصرة نفوذ الصين عن طريق إقامة شبكة من القواعد العسكرية والتحالفات في الدول المحيطة بها. تعكس هذه الاستراتيجية محاولة الهند لزيادة وجودها في المحيط الهندي وتعزيز استثماراتها الاقتصادية، وذلك بالتعاون مع تحالف “كواد” الذي يضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. هذا التحالف يشكل جبهة لمواجهة صعود الصين، مما يمنح الهند القدرة على تأمين أراضيها ومصالحها الاقتصادية في ظل تصاعد التنافس في المنطقة.

مع بروز هذه الاستراتيجيات، يعد ميناء تشابهار الإيراني نقطة محورية لنفوذ الهند في المنطقة. يمثل هذا الميناء منفذاً بديلاً إلى الأسواق الآسيوية وأفغانستان، ويعزز من قدرة الهند على تأمين احتياجاتها من النفط والغاز. على الرغم من الأشواط الطويلة التي مرت بها العلاقة بين الهند وإيران بشأن تطوير هذا الميناء منذ التسعينيات، فإن العقوبات الدولية كانت عائقًا رئيسيًا. إلا أن اتفاقيات التعاون التي تم توقيعها بين الطرفين أعادت الآمال في تعزيز التعاون، لاسيما بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني في عام 2016.

تنطلق رؤية إيران المتعلقة بميناء تشابهار من الأهمية الاقتصادية لتعزيز تجارتها مع الدولي، وتخفيف الضغوط الناجمة عن العقوبات الأميركية. تسعى طهران إلى استخدام الميناء للدخول بقوة في شبكة التجارة الإقليمية، وهذا يتوافق مع خططها لتصبح محورًا تجاريًا بين روسيا والهند. من وجهة نظر إيران، تشابهار لا يعمل فقط على دعم الاقتصاد المحلي، بل يسهم أيضًا في تحسين قدرة البلاد على مواجهة الضغوط الخارجية والتحديات الاقتصادية.

وعلى الجانب الأفغاني، يُنظر إلى ميناء تشابهار كفرصة لتحسين التجارة الدولية وتجاوز العقبات السياسية مع باكستان. يسمح الميناء لأفغانستان بتأمين طرق التصدير والاستيراد بمرونة أكبر، ما يعزز من موقفها الاقتصادي. تأتي هذه الفرص في إطار الرغبة الأفغانية في تحسين البنية التحتية وتعزيز التعاون مع الهند، مما يحقق منفعة متبادلة تدعم الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة تواجه تطوير الميناء، بما في ذلك الخوف من العقوبات الأميركية والمخاطر المترتبة على الشركات الهندية التي تدخل في مشاريع مشتركة مع إيران.

في ختام هذه الديناميكيات، تواجه الهند تحديات متعددة في جهودها لتطوير ميناء تشابهار، منها المخاوف المرتبطة بالعقوبات الأميركية وضعف البنية التحتية. ومع زيادة التنافس بين الهند والصين، تبدو استراتيجيات التجارة والنفوذ حيوية بالنسبة للهند في سعيها للمنافسة في المحيط الهندي. بالنظر إلى تطوير الموانئ الأخرى في المنطقة مثل ميناء غوادر، يتضح أن الهند تحتاج إلى استراتيجيات فعالة وخطط استجابة سريعة لضمان نجاح مشروع تشابهار، والاستمرار في تعزيز دورها الفاعل على الساحة الدولية.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version