الخرطوم- أحالت الحرب الدائرة في السودان كثيرا من المعالم السياحية والأثرية إلى خراب بفعل التدمير التي طالها، من بينها برج الفاتح ذو الطراز المعماري المميز، والذي يقع في قلب العاصمة الخرطوم ويطل على النيل الأزرق ويتوسط المساحة بين القصر الرئاسي وقاعة الصداقة من الشرق للغرب.

وتحولت باحة البرج وغرفه ومكاتبه -والذي شُيّد عام 2008 ويتكون من نحو 17 طابقا- إلى أكوام من الخراب بفعل النهب والتدمير الذي طاله بعد سيطرة قوات الدعم السريع عليه لأكثر من 20 شهرا، وتوقفت فيها خدمة البرج بشكل تام.

ويعد برج الفاتح معلما سياحيا بارزا أسسته الحكومة الليبية مع مشاريع أخرى في السودان، خاصة في مجال الطرقات سنة 2008، ثم تحول اسمه لاحقا إلى فندق كورنثيا عقب سقوط نظام الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وتشير المعطيات إلى أن عائداته تذهب للحكومة الليبية على مدى 20 عاما وبعدها تؤول ملكيته بالكامل إلى الخرطوم.

الجيش السوداني يستعيد السيطرة على برج الفاتح وسط الخرطوم

منطقة محايدة

يُقسم البرج إلى أجنحة عدة، وفي باحته الأرضية توجد قاعات للمؤتمرات مثل قاعة سرت نسبة لمدينة سرت الليبية، وأخرى مخصصة للمحاضرات والدورات التدريبية، فضلا عن تخصيص 4 طوابق منه مكاتب للمؤسسات والشركات الخاصة.

كما يضم عددا من المؤسسات الحكومية والخاصة وشركات خطوط الطيران والأعمال الخاصة والنفط والتعدين ومكاتب القنوات الفضائية، وخُصصت أكثر من 10 طوابق منه غرفا وأجنحة سياحية يستغلها الزوار الأجانب ورجال المال والأعمال وبعض أصحاب الدخل العالي، وخُصص أحدها مطعما لنزلاء الفندق.

ويحتوي البرج على أكثر من موقف للسيارات الخاصة وأماكن للترفيه وغرف تحت الأرض، ويتميز بمناخ معتدل، إذ إنه يطل على النيل الأزرق مباشرة من الناحية الشمالية، ويحيط به عدد من الأشجار الفارعة غربا، وفيه مستوى عال من التأمين والحراسات، مما جعله القبلة الأبرز لكثير من الأنشطة الثقافية والسياسية في البلاد.

وحتى مايو/أيار 2023 كان برج الفاتح في مأمن من الصراع الذي يدور على بعد أمتار منه، ويسمع الموجودون فيه أصوات الرصاص والقصف المدفعي وأزيز الطائرات، حيث كان في منطقة محايدة ولا يسيطر عليه أي من أطراف الحرب، وكانت إدارته تقدم خدماتها دون تأثر بما يدور من حولها.

وكان الجيش السوداني يكتفي بالانتشار في منطقة المقرن ومقر الكتيبة الإستراتيجية غربي البرج، في حين كانت قوات الدعم السريع تكتفي بالانتشار حول القصر الرئاسي وبعض المباني المحيطة به، لكن سرعان ما انقلب الأمر.

دمار وتخريب

ويقول أحد أفراد الأمن الذي كان في البرج -للجزيرة نت- إن قوة من الدعم السريع حضرت إلى مقره قبل سيطرتها عليه، وطالبت بإخلائه خلال 48 ساعة، وبعد انتهاء المهلة حضر أفراد الدعم السريع إلى البرج واقتادوا جميع العاملين فيه في عربة إلى جهة مجهولة، وسيطروا على جميع السيارات الموجودة بمواقفه وطردوا النزلاء، ثم استخدموه منصات للقنص، وجعلوا غرفه الأرضية مخازن للسلاح.

من جانبه، أوضح ضابط في الجيش السوداني كان يوجد بمقر القيادة العامة -للجزيرة نت- أن معظم المدفعية التي كانت تقصف المقر كانت منصاتها في برج الفاتح الذي يبعد مساحة لا تزيد على 3 كيلومترات من القيادة شرقا.

وأضاف أن قناصي الدعم السريع الموجودين في الطوابق العليا أحدثوا خسائر في الجيش بسلاح المهندسين في أم درمان الذي يبعد عن البرج مسافة كيلومتر ونصف.

برج الفاتح شيّد بتمويل ليبي ويطل على ضفاف النيل (غيتي)

ووفقا للضابط، كان هناك توجه بعدم تدمير البرج والمحافظة عليه “رغم أنه كان يشكل خطرا على الجيش وجنوده”، كما كان عناصر الدعم السريع يستغلون غرفه الأرضية درعا ضد أي قصف أو ضربات الطائرات المسيّرة، واحتفظت بالأسلحة الثقيلة في الغرف ذاتها وفي مواقف المواصلات المكونة من طوابق إسمنتية عدة.

وتعرّض البرج لدمار وتخريب كبيرين، ويقول عنصر في الجيش السوداني -للجزيرة نت- إن كل طوابقه نُهبت، بما في ذلك أسرّة الغرف، فضلا عن العبث ببعض المحتويات، وأشار إلى العثور على أسرّة وكراسٍ ملقاة في جزيرة نهبتها قوات الدعم السريع.

وحسب المصدر نفسه، تم تحطيم واجهة البرج الزجاجية كليا، فضلا عن تحطيم جميع أبواب طوابقه، ونهب المحتويات الموجودة داخل مكاتب المؤسسات، مثل شركات النفط والنقل والتعدين والطيران والمؤسسات الإعلامية.

حطام

وشبّه الضابط البرج بالحطام بعد أن “عبثت به قوات الدعم السريع”، وأشار إلى أن الطوابق العليا من البرج تعرضت للتهشيم وبعض الحرائق بفعل القصف المتبادل في الأيام الأخيرة، قبل أن يستعيده الجيش.

وتعرضت معظم الأبراج المحيطة به لحريق كلي، مثل برج النيل للبترول وقاعة الصداقة وبرج شركة زين للاتصالات وبرج شركة التأمين الإسلامية وبرج فندق كورال.

لكن فندق كورنثيا نجا من الحريق الشامل وطالته أضرار طفيفة في هيكله الخارجي، أما الضرر الأكبر فكان في سرقة ونهب محتوياته وتحطيم أبوابه الداخلية ووجهاته الخارجية، خاصة مدخله.

وبحسب مراقبين، فإن برج الفاتح يحتاج إعادة تأسيس داخلي وترميم في طوابقه العليا وبناء واجهات جديدة أكثر صلابة من الزجاجية التي حُطمت في الأيام الماضية، إلى جانب ضرورة تنظيف وتطهير باحته الخارجية بسبب “وجود جثث قتلى الدعم السريع فيها”.

وكشفت المشاهد المنقولة من البرج عن تدمير محولات الكهرباء ونهبها وسرقة أجزاء من محولاته البديلة، مما يتطلب إنشاء وتأسيس أخرى جديدة لإعادة الكهرباء والماء للبرج، كما تعرضت أبوابه الخارجية المطلة على النيل للتخريب.

ويرى مراقبون أن إعادة إعمار البرج قد لا تتطلب وقتا طويلا مقارنة بالأبراج من حوله، وقد يكون الأسرع في العودة إلى الواجهة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version