القدس المحتلة – تشهد منطقة النقب تصعيدا غير مسبوق في احتجاجات شعبية واسعة النطاق، وذلك رفضا لمخططات التهجير والاقتلاع التي تحركها الحكومة الإسرائيلية وتستهدف القرى البدوية مسلوبة الاعتراف. ويصحب هذه الاحتجاجات إضراب شامل عن المدارس والمجالس المحلية والمرافق العامة في تعبير قوي عن وحدة الموقف الشعبي الفلسطيني.

وتدفع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بمخطط “شيكلي” قُدما، بإشراف وزير الشتات المكلف بـ”سلطة توطين البدو”، عميحاي شيكلي.

ويهدف هذا المخطط إلى مصادرة نحو 800 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي النقب الذي يقطنه أكثر من 300 ألف عربي من بدو فلسطين، علما أنه كان بملكيتهم أكثر من 4 ملايين دونم قبل النكبة عام 1948، حيث سكنها حينها قرابة 100 ألف عربي، تم تهجير غالبيتهم العظمى، وبقي منهم قرابة 11 ألفا.

أهالي النقب يتظاهرون في مدينة بئر السبع ضد مخطط التهجير والاستيطان الإسرائيلي (لجنة التوجيه العليا لعرب النقب)

مخطط “شيكلي”

كما يهدف المخطط إلى تهجير أكثر من 150 ألفا من سكان 35 قرية ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بها من أصل 45 قرية، تمهيدا لإقامة بلدات استيطانية على أنقاضها، إذ تستهدف المرحلة الأولى من المخطط 11 قرية يقطنها أكثر من 8 آلاف نسمة. كما تشمل قرى ومدنا معترفا بها.

ويعتمد على مزيج من الحوافز والعقوبات، حيث يمنح أصحاب دعاوى الملكية مهلة قصيرة لإبرام “تسويات” مع إسرائيل، يحصلون بموجبها على جزء من الأرض وتعويض مالي، شرط إخلائهم لأراضيهم وتخصيصها للاستيطان اليهودي أو تجميع وإسكان بدو آخرين تم تهجيرهم من قراهم.

أما من يرفض أو يتأخر، فستقلص تعويضاته تدريجيا وصولا إلى شطب دعواه وإخراج مسطحات الأرض التي يقطن فوقها من مخطط البلدة، مما يفقدها أي قيمة قانونية. كما تنص الخطة على نقل السكان بشكل سريع إلى “قرى قانونية” بعد هدم منازلهم وإخلاء أراضيهم، وتسكينهم مؤقتا إلى حين بناء مساكن دائمة. وتبدأ هذه المرحلة التجريبية في بلدات كسيفة ومرعيت وسعوة.

وتفاعل آلاف من فلسطينيي 48 مع حراك الكرامة، الذي نظمته لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، ومنتدى السلطات المحلية العربية، والمجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، بدعم لجنة المتابعة العليا، رفضا لسياسات هدم البيوت والاستيطان، وتأكيدا على التمسك بالأرض والكرامة والحق الجماعي في البقاء والتطور.

وشهدت مدينة بئر السبع، أمس الخميس، مشهدا غير مسبوق، حيث خرج أكثر من 15 ألف شخص من مختلف القرى والتجمعات البدوية في أكبر مظاهرة تشهدها منطقة النقب منذ سنوات. وأكد المشاركون على ضرورة تحويل هذه الهبة الشعبية إلى نقطة انطلاق لمواجهة المخططات الاقتلاعية والتفجيرية، عبر بناء إستراتيجية نضالية موحدة ترتقي إلى حجم التحدي.

وتزامنا مع هذا الحراك، أقدمت السلطات الإسرائيلية على أكبر عملية هدم جماعي في قرية السر مسلوبة الاعتراف، حيث دمرت أكثر من 25 منزلا في يوم واحد، ضمن حملة تصعيدية شملت خلال أسبوعين أكثر من 45 منزلا. وتهدد أوامر الهدم الآن أكثر من 200 أخرى، وهو ما يشير إلى نية واضحة لإفراغ الأرض من أصحابها.

السطات الإسرائيلية تجبر سكان القرى مسلوبة الاعتراف بهدم منازلهم ذاتيا وتهددهم بفرض غرامات باهظة تصل عشرات آلاف الدولارات لجنة التوجيه العليا لعرب النقب
السطات الإسرائيلية تجبر سكان القرى مسلوبة الاعتراف على هدم منازلهم بأنفسهم (لجنة التوجيه العليا لعرب النقب)

حقوق تاريخية

وحذر النائب وليد الهواشلة، عن القائمة الموحدة، من خطورة مخطط “شيكلي”، واصفا إياه بـ”أحد أخطر المخططات”، لكونه يفرض حلولا قسرية وينتهك الحقوق التاريخية للعرب في النقب، مما ينذر بإشعال صراعات داخلية بدلا من حل الأزمة.

وأضاف الهواشلة للجزيرة نت أن الحكومة الإسرائيلية تفرض قراراتها دون حوار حقيقي، وتحاول الاستيلاء على الأراضي تحت شعارات مضللة كـ”التنظيم” و”التطوير”. وشدد على أن وقف سياسة الهدم والاعتراف بالقرى وحقوق سكانها، هو السبيل الوحيد لحل عادل ومستدام.

وأكد أن وعي السكان وتمسكهم بأرضهم، إلى جانب الوحدة والصمود، يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة هذه المخططات، محذرا من تفاقم الظلم والتوتر نتيجة السياسات الإقصائية.

ووفق الهواشلة، اضطرت العديد من العائلات للسكن في مبان عامة بعد أن هُدمت منازلها بالجرافات، مؤكدا أن “الاحتجاج الشعبي هو أقوى أدوات الضغط لإجبار الحكومة على التراجع”.

مشاركة بارزة للأطفال والنشء في فعاليات حراك الكرامة.. النقب مش للبيع.. ولا للتهجير لجنة التوجيه العليا لعرب النقب
مراقبون ثمّنوا حراك الكرامة الذي أطلقه سكان النقب ودعوا إلى استمراره (لجنة التوجيه العليا لعرب النقب)

من جانبه، وصف رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها، عطية الأعصم، خطة “شيكلي” بأنها “تهديدية واستعلائية”، مؤكدا للجزيرة نت أن القرى البدوية ليست مجرد تجمعات عشوائية، بل هي امتداد لإرث ثقافي وتاريخي عميق.

وقال إن الخطة تواصل اعتماد الجرافات بدل الخدمات والتهديد بدل الحوار، مؤكدا رفض هذا النهج ومشددا على أن النقب لا يمكن أن يُبنى على أنقاض الثقة ولا على حساب أهله.

ودعا الأعصم إلى وقف الهدم والبدء بتخطيط مشترك يضم ممثلين عن القرى ومهنيين من داخل المجتمع البدوي، لضمان حلول تحترم الهوية وتلبي الاحتياجات. وشدد على ضرورة إقامة حوار رسمي ودائم بين الحكومة والسكان، يضمن مشاركتهم في رسم مستقبلهم واتخاذ القرارات المصيرية.

معركة وجود

بدوره، أكد رئيس لجنة المتابعة العليا، محمد بركة، أن ما يجري في النقب هو معركة وجود لا نزاع على الأرض، وأن أدوات السيطرة القانونية والهندسية تُستخدم تحت غطاء “التنظيم”، محذرا من تبعات استمرار هذا النهج.

وقال بركة، في بيان له عمّمه على وسائل الإعلام وتلقت الجزيرة نت نسخة منه، إن “النقب ينتفض والكرامة لا تساوم”، مشيرا إلى أن الحراك يجب أن يكون نقطة انطلاق نحو إستراتيجية نضالية موحدة ترتقي إلى مستوى التحديات، وتتكامل فيها جهود الأحزاب واللجان الشعبية والحركات الشبابية.

من جهته، ثمّن عضو لجنة التوجيه العليا لعرب النقب، جمعة الزبارقة، حراك الكرامة، قائلا إنه شكل مشهدا وحدويا استثنائيا انطلق من بئر السبع بمظاهرة عفوية ضخمة، شارك فيها آلاف من أبناء النقب ومن مختلف مناطق الداخل الفلسطيني. وأكد أن هذه الهبّة الشعبية جاءت ردا مباشرا على تصعيد سياسة الهدم، ورسالة واضحة بأن جماهيره لن تصمت.

وأضاف الزبارقة للجزيرة نت أن الجماهير العربية، من خلال هذا الحراك، كسرت حاجز الخوف وفرضت حضورا سياسيا وشعبيا واضحا، مؤكدة أن صوت النقب لا يُقمع، وأن الحق حين يرفع يتحول إلى قوة قادرة على مجابهة البطش والعنصرية.

وشدد على ضرورة مواصلة النضال وتصعيد الحراك في كل مكان دعما لصمود أهل النقب، ورفضا لسياسات التهجير والهدم، داعيا إلى مواجهة النكبة المستمرة في غزة، ومحاولات الإبادة والتطهير العرقي التي تستهدف الفلسطينيين في كل أماكن وجودهم.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.