كييف- منذ أن بدأت أوكرانيا هجوما مباغتا على مقاطعة كورسك الروسية في الشمال، حتى سارع الأوكرانيون إلى تبرير ذلك بتخفيف الضغط على جبهات الشرق، والتمتع بورقة ضغط قوية على موسكو عند أي مفاوضات محتملة.

وبمناسبة مرور نحو 6 أشهر على ذلك التوغل، قالت هيئة الأركان الأوكرانية إن عملياتها في كورسك أدت إلى خسارة الروس نحو 40 ألف جندي، من بينهم 16 ألف قتيل تقريبا، ونحو 900 أسير، بالإضافة إلى خسارة كوريا الشمالية 4 آلاف مقاتل من أصل 12 ألفا شاركوا بالقتال، وأسر عدد منهم أيضا.

أرقام كبيرة إن صحت، لكنها لم تفلح بتحقيق غاية تخفيف الضغط على جبهات الشرق خلال الفترة الماضية، بل على العكس، زادت وتيرة الهجمات الروسية وخاصة في مقاطعة دونيتسك.

عملية هامة

كما كانت كورسك وبالا على مقاطعة سومي الأوكرانية المحاذية بعد طول هدوء وأمان نسبيين، إذ لم تسلم يوما من الضربات الروسية، لأنها كانت منطلقا لعمليات التوغل، وما زالت طريقا لإمدادات الجيش الأوكراني.

وهكذا فشل هدف تخفيف الضغط عمليا، رغم أن الأوكرانيين يؤكدون أن الوضع كان سيصبح أسوأ لولا عملياتهم في كورسك، وباتوا يتحدثون عن الهدف الثاني بقوة وثقة.

بحسب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، “كانت عملية بالغة الأهمية ستؤدي إلى تسوية دبلوماسية لإنهاء الحرب”، فيما ذهب وزير خارجيته أندريه سيبيها إلى أبعد من ذلك، مؤكدا أن فيها “درسين للعالم؛ أولهما ألا داعي للخوف من بوتين، والثاني هو الإيمان بقدرة كييف على النصر”.

ومع تسارع الخطوات نحو مفاوضات مباشرة بوساطة أميركية في نهاية ثالث سنوات الحرب، زاد تمسك الأوكرانيين بكورسك، وشهدت الأسابيع الماضية تحول عملياتهم من دفاعية إلى هجومية جديدة في بعض الاتجاهات.

زيلينسكي يريد مبادلة نحو 420 كيلومترا مربعا من الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا في كورسك بأراضي مقاطعة أخرى، لكنه لم يحددها في حديث مع صحيفة الغارديان البريطانية.

هونتشارينكو يرى أن دخول كورسك كان خطة فريدة لإذلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين (الجزيرة)

رفض روسي

وبالطريقة ذاتها، كشف فولوديمير أوميلتشينكو، خبير مركز “رازومكوف” للدراسات الإستراتيجية، ومدير برامج الطاقة في الحكومة الأوكرانية، في منشور على وسائل التواصل، أن “كييف أرادت مبادلة محطة زابارويجا للطاقة النووية (الأكبر في أوروبا والخاضعة لسيطرة روسيا)، مقابل وقف قصف البنية التحتية للطاقة في كلا الجانبين، والسماح بعبور الغاز الروسي عبر أراضي أوكرانيا”.

بحسب أوميلتشينكو، رفضت روسيا هذا التبادل وأعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف رفض مبادلة أراضي كورسك بأخرى أوكرانية تقع تحت سيطرة موسكو أيضا.

من جهته، قال النائب البرلماني عن حزب “التضامن الأوروبي”، أوليكسي هونتشارينكو للجزيرة نت “لا يهم ما يقول بيسكوف. الواقع يقول إن دخول كورسك كان خطة فريدة لإذلال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والضغط عليه، وإجباره على التفاوض والتنازل، لأن أمرا مماثلا لم يحدث منذ عام 1943 في موسكو”.

ويضيف “لم يستطع الروس إخراج قواتنا منذ نصف عام. لا خيار أمامهم سوى التبادل. هذا سيحدث، ولكن لا أحد يعرف كيف ومقابل ماذا. كورسك هي ورقة الجوكر التي تتمتع بها أوكرانيا”.

أوليكساندر كرايف خبير مركز المنشور الأوكراني للدراسات وأستاذ في جامعة كييف الوطنية
كرايف قال إن التصميم على تحرير كامل أوكرانيا تراجع بسبب ضعف المساعدات الغربية اللازمة (الجزيرة)

عجز وخسارة

ولكن حتى لو تم تبادل الأراضي، يبدو أن زيلينسكي يعترف بعجز بلاده عن استعادة كل الأراضي المحتلة، فهو اليوم لا يتحدث عن الوصول إلى حدود عام 1991، بل إلى تبادل يعيد -على أقصى تقدير- واحدة من 4 مقاطعات تسيطر روسيا على أرجاء واسعة منها، ناهيك عن القرم المحتلة بالكامل منذ 2014.

لا يرى أوليكساندر كرايف خبير مركز “المنشور الأوكراني” للدراسات، وأستاذ في جامعة كييف الوطنية، في ذلك هزيمة. ويقول للجزيرة نت “تراجعَ التصميم على تحرير كامل البلاد أمام واقع بطيء وضعف المساعدات الغربية اللازمة لهذا الغرض”.

وتابع “ومع ذلك، بفضل كورسك، لا يمكن للروس الحديث عن أي نصر لهم في أوكرانيا. إذا بقيت بأيدينا فإن أساطير العالم الروسي وروسيا الحديثة، وكذلك النزعة الإمبراطورية لدى بوتين، ستنهار لسبب بسيط هو أنه لا يمكن أن تكون منتصرا إذا حصلت على أراضٍ جديدة وخسرت أراضيك الأصلية”.

من وجهة نظر كرايف، “بوتين خسر بعدم قدرته على احتلال كل أوكرانيا، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي روسيا”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.