تظهر ألمانيا، من منظور المراقبين، في حالة من التوتر الداخلي ما بين الرغبة في تكفير ذنوب الماضي والحاجة إلى مواجهة الواقع المعقد للأحداث الحالية. تاريخيًا، تمكنت البلاد من بناء صورة ديمقراطية حديثة، لكنها تعكس تناقضًا صارخًا في التعاطي مع قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط، لا سيما الصراع بين إسرائيل وفلسطين. عندما اندلعت الأحداث في غزة وبدأت إسرائيل في تنفيذ عمليات عسكرية، كان موقف برلين مغمورًا برغبة شديدة في تبرير أفعال إسرائيل، كما لو كانت الغزو تجسيدًا لما يعرف بأزمة الهولوكوست، وهو ما قوبل بانتقادات واسعة من قبل المراقبين المتابعين للوضع.
وسط هذا الإطار، تعكس السياسة الألمانية الحالية تناقضًا واضحًا بين القيم الديمقراطية المعلنة والواقع العملي المتمثل في قمع الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية. منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة في أكتوبر 2023، شهدت ألمانيا حملات قمعية ضد النشطاء الذين نظموا مظاهرات لدعم فلسطين، حيث تم اعتقال عدد كبير منهم ومنع تظاهراتهم. بينما تواصل الحرب الإسرائيلية أوجها، حيث أودت بحياة الآلاف من الفلسطينيين، تجد الحكومة الألمانية نفسها عالقة في حلقة من الإدانة للأفعال المقاومة للتعاطي مع الهجمات الإسرائيلية.
على الرغم من الضغوطات الحادة من دول غربية أخرى لمراجعة شحنات الأسلحة لإسرائيل، فإن ألمانيا تلعب دورًا نشطًا في دعم الدولة العبرية من خلال تزويدها بأسلحة فتاكة. سيطرت ألمانيا على مرتبة كأحد أكبر مزودي الأسلحة لإسرائيل، وهو قرار يعكس الانغماس في شعور الذنب التاريخي الناجم عن دورها في أحداث الحرب العالمية الثانية. فقد أقر الأكاديميون في ألمانيا بأن الحكومة لا تزال تسير على هذا المنوال، ويشير معلقون إلى أن ذلك يعكس “مسؤوليتها التاريخية” ويتعارض بشكل صارخ مع حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.
في سياق ردود الفعل على الأحداث المختلفة، يبقى صمت ألمانيا حول الاعتداءات الإسرائيلية حجر عثرة في ميزان عدالتها. في أبريل 2023، قامت إسرائيل بتدمير مبنى تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق، مما أدى إلى سقوط ضحايا كثر، لكن الحكومة الألمانية تقاعست عن إدانة هذا الفعل. بل كانت ردودها تعبر عن استنكار لأي عمل مقاوم يعبر عن حق الدفاع عن النفس، وحتى عندما أصبحت الجمهورية الإسلامية ترد، لم تفوت ألمانيا الفرصة لتوجيه اللوم لطهران على ما اعتبرته تصعيدًا.
الأمر الذي يزيد من حدة التناقض هي طريقة تفاعل الحكومة الألمانية مع الأحداث. بينما كان الصمت مطبقًا على بعض مظاهر الهجمات الإسرائيلية، فقد أبدت برلين حزمًا في موقفها إزاء ردود الفعل الإيرانية. إذا قامت طهران بتوجيه ضربات عسكرية إلى إسرائيل، خرجت وزيرة الخارجية الألمانية بأسرع ما يمكن لاستنكار الهجمات، محذرة من أن التصعيد قد يجر المنطقة إلى فوضى شاملة. الطبيعة الانتقائية للبيانات الرسمية تعكس عدم توازنًا وتفضيلًا واضحًا لإسرائيل على حساب حقوق الفلسطينيين.
وفي النهاية، يمكن القول إن الموقف الألماني حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يبرز كمرآة تعكس الصراعات الداخلية ما بين التاريخ والرؤية المستقبلية. تمثل تلك السياسة قيدًا من الصعب القطع عنه، حيث تتجلى في التصرفات الرسمية التناقضات التاريخية والرغبة في البحث عن الطهارة من ذنوب الماضي. على الرغم من عدم قدرتها على معالجة الأبعاد الإنسانية للصراع، الكبير، تستمر ألمانيا في تطوير سياستها المعقدة، متجاهلة الآثار الحقيقية لقراراتها على السكان المدنيين في المنطقة.