تناولت صحيفة هآرتس في افتتاحيتها الرئيسية الازدهار المتسارع لمزارع المستوطنين اليهود التي تضاعف عددها في السنوات الأخيرة حتى وصلت إلى 90 بؤرة. ويعتبر هذا الازدهار جزءًا من مشروع استيطاني عنيف يهدف إلى طرد الفلسطينيين من أراضيهم. وقد أظهرت تقارير استقصائية أن هذه المزارع أصبحت بؤرًا للسرقة ووسيلة لممارسة العنف ضد الفلسطينيين، حيث تحظى بمعاملة خاصة من السلطات الإسرائيلية من خلال الميزانيات المخصصة لها والاعتراف بشرعيتها. وترى الصحيفة أن هذه المزارع تمثل صورة من صور مساعي الطرد، حيث تعتمد على نشر أعداد قليلة من المستوطنين على مساحات واسعة من الأراضي.
وصف زعيم المستوطنين زئيف هيفر هذه المزارع بأنها تحتل أراضٍ تزيد بمقدار ضعفين ونصف عما تحتله المستوطنات الأخرى، مما يشير إلى الأبعاد الكبيرة للمشروع الاستيطاني. وقد أسفر التشدد في إنشاء هذه المزارع عن اعتداءات وتهديدات عنيفة ضد الفلسطينيين، مما دفع العديد منهم إلى الفرار للنجاة بحياتهم. يشير هذا الواقع إلى استخدام ما يُعرف بمزارع المستوطنين كوسيلة لتحقيق أهداف سياسة الاستيطان، حيث تكون الأداة الرئيسية في ذلك هي قطعان الأغنام والمراهقين المستوطنين.
وبالرغم من أن تلك المزارع تُعتبر وسيلة عُنف وتهجير، فإنها تحصل على تمويل سخي من الحكومة الإسرائيلية، مما يساهم في تنامي نشاطاتها. تشير هآرتس إلى أن العديد من هؤلاء الشبان هم من فئات معارضة اجتماعيًا ويُستغلون كوقود للعنف ضد الفلسطينيين. ومن خلال هذا السياق، توضح الصحيفة أن الدولة لا تضر الفلسطينيين فحسب، بل تدفع هؤلاء الشبان نحو مسارات من العنف السياسي وخرق القوانين.
الكثير من الوزارات الإسرائيلية تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في دعم هذا المشروع الاستيطاني، بما في ذلك وزارات الاستيطان والتعليم والزراعة والدفاع. بعض هذه الوزارات تقدم خدمات أمنية حيوية لبقاء هذه المزارع، بينما تعمل منظمات غير ربحية على دعم النشاطات اليومية التي تجرى فيها. يُعتبر هؤلاء المتطوعون المحرك الأساسي للمزارع، ويتم تمويل البرامج المخصصة للشباب من قبل الصندوق القومي اليهودي، وهو ما يعتبر بمثابة جنود في حرب تهدف إلى “تطهير الأرض” من السكان الأصليين.
تُعتبر الأسماء المتورطة في هذا المشروع مدرجة في قوائم العقوبات الأميركية، ولكن هذه العقوبات لم تؤثر في واقع الحال، حيث تمثل الحكومة دعمًا رسميًا لأصحاب المزارع. يشير مسؤولون حكوميون إلى أهمية زيارة هذه المزارع لإظهار تضامنهم معها، ما يعكس طبيعة العلاقة الوطيدة بين الحكومة والمستوطنات. هذه الأنشطة تُظهر انتهاكًا صارخًا لحقوق الفلسطينيين، لكنها أيضاً تعرض الدولة الإسرائيلية لمشاكل قانونية كبيرة على الساحة الدولية، لا سيما مع المحكمة الجنائية الدولية.
في النهاية، تكشف هآرتس عن ضرورة تفهم ما يجري في الأراضي الفلسطينية من وراء تزايد مزارع المستوطنين، حيث أن دعم الوزارات لهذا المشروع الاستيطاني يعكس مستوى من الإجحاف والانتهاك للحقوق الإنسانية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استمرار هذا النهج قد يؤثر سلباً على المستوى الاجتماعي والسياسي في إسرائيل نفسها، ويعرض القاصرين الذين يُستخدمون في هذه المزارع لمخاطر جسيمة، ما يستدعي ضرورة التحرك الفوري لوقف هذا الاتجاه، الذي لا يؤدي فقط إلى تفاقم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، بل يشكل تهديدًا لكل الأطراف المعنية.