قالت صحيفة هآرتس إن الوقت حان لتدمير العقول بعد تدمير المباني وقتل البشر، وبالتالي على الجامعات أن تقبل بقانون الجرافة والصواريخ القاتلة، أو يسحب منها التمويل.

وذكّرت الصحيفة -في مقال بقلم عودة بشارات- بأن اليهود كان يكفيهم أنهم مسؤولون عن مقتل أكثر من 50 ألف غزي وتدمير أكثر من 70% من قطاع غزة، ولكن التاريخ سيسجل الآن أنه بسببهم تدمر مؤسسات التعليم العالي الأميركية في الحرب على معاداة السامية ومبادرات التنوع والمساواة والشمول، بالإضافة إلى المطالبة بمناهج “متوازنة سياسيا”.

واستعرضت الصحيفة حالة جامعة هارفارد التي تكافح من أجل البقاء بسبب عقوبات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حتى ليقول رئيسها السابق لاري سامرز “هذا ما كان جو مكارثي يحاول فعله لكنه جاء مضخما 10 مرات أو 100 ضعف”.

حان تدمير العقول

فبعد تجميد 2.2 مليار دولار من التمويل الفدرالي، ألغت وزارة الأمن الداخلي منحا للجامعة تزيد على 2.7 مليون دولار، ثم طلب ترامب من مصلحة الضرائب إلغاء إعفائها الضريبي، لأن تدمير العقل قد حان بعد تدمير المباني وقتل البشر.

وذكّر الكاتب بأن الجامعات الإسرائيلية أصبحت جزءا لا يتجزأ من المؤسسة الحاكمة، تحاكم الطلاب على آرائهم بطريقة لا تحرج النظام الشمولي، ولكن جامعات نابضة بالحياة مثل هارفارد ما زالت ترفض بعناد الخضوع لإملاءات النظام، وربما يؤدي هذا الرفض إلى دمار هائل -كما يقول الكاتب- ولكن بذور الإبداع تكمن في هذا الدمار، لأن الإبداع لا يزدهر من دون حرية فكرية.

وفي الأسبوع الماضي، وقع أكثر من 200 أكاديمي إسرائيلي في إسرائيل وخارجها، رسالة مفتوحة يدينون فيها ما وصفوه “بالاستخدام المعيب لمكافحة معاداة السامية” من قبل إدارة ترامب لتبرير الاعتقالات والتهديد بالترحيل وخفض تمويل الجامعات، مع استهداف الطلاب الفلسطينيين بشكل خاص.

وكتبوا، وهم محقون في ذلك -حسب الكاتب- “أن إجراءات الإدارة الحالية لا توفر للشعب اليهودي ولا لغيره مزيدا من الحماية والأمان، بل الإدارة على العكس تماما، تغذي المشاعر المعادية لليهود”، لأن حب ترامب المفرط يوقظ شياطين معاداة اليهود من سباتها.

مراكز للخنق الفكري

وقال الموقعون بصوت عال ما يجب أن يقوله كل يهودي تقدمي من أنه لا ينبغي تدمير التعليم العالي “باسمنا”، ولإكمال الصورة، عليهم أن يضيفوا أن الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في غزة لا ترتكب “باسمنا” أيضا، فكل شيء مترابط، والجريمة الفكرية في هارفارد استمرار للجرائم المادية في غزة.

وهكذا تؤجج “أميركا ترامب” باسم مكافحة “معاداة السامية” في الجامعات، كراهية اليهود في جميع أنحاء العالم -كما يقول عودة بشارات- وهي باسم “حماية اليهود”، تحول الجامعات إلى مراكز للخنق الفكري وقمع التعددية الثقافية والسياسية والأيديولوجية.

ولأن السمة المميزة للجامعة هي صراع الأفكار، فإن سحق هذا الصراع سيفتقر العالم بأسره، ليس فكريا فحسب، بل سياسيا واقتصاديا أيضا، ولكن السطحية تدق الأبواب، وهناك بالفعل جامعات يشبه فضاؤها الفكري عالم القائد المليء بالتهديدات، وتلك هي البضاعة التي تقدمها “أميركا ترامب” للعالم.

وفي الختام، ذكر الكاتب أن جامعة كولومبيا استسلمت بخجل لإيمانها بالخبز، مع أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، ولذلك لن يكون داخلها سوى جمود فكري عميق، وسيدقق المفوضون في الأبحاث، خشية أن تتسلل كلمة واحدة تدين الصهيونية أو ما يحدث في غزة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.