في تقرير استقصائي لصحيفة نيويورك تايمز، تم تسليط الضوء على الهزيمة الكبيرة التي تعرضت لها مجموعة فاغنر الروسية في شمال مالي، حيث كانت تنشط منذ حوالي ثلاث سنوات لدعم الجيش المالي في مواجهته ضد الجماعات المسلحة والمقاتلين الطوارق. على الرغم من سمعتها كمنظمة تضم “مقاتلين أشداء”، إلا أن نقاط ضعفها تجلت بوضوح خلال “المعركة الكارثية”، مما أثر سلباً على مصداقيتها في صفوف الجيش المالي. تأتي هذه الهزيمة في سياق استراتيجيات روسيا في تعزيز سلطتها عبر دعم القادة السلطويين في أفريقيا، حيث تستفيد فاغنر من النفاذ إلى الموارد الطبيعية مقابل تقديم الحماية والمساعدة العسكرية.
أحداث المعركة التي وقعت في يوليو 2023، عندما حاول مقاتلو فاغنر مع القوات الحكومية السيطرة على منطقة تينزاواتين الصحراوية، تكشف عن ضعف الاستعدادات والتخطيط. لقد كانت القافلة مؤلفة من حوالي 20 مركبة تعرضت لكمين محكم نصبه المقاتلون المحليون خلال تقدمهم عبر القرى. وعلاوة على ذلك، فقد أسفر انفجار عبوات ناسفة عن خروج القافلة عن الطريق الرئيسي، مما تسبب في تباطؤ تقدمها بسبب الصعوبات الجغرافية، ومن ثم محاصرتها من قبل الطوارق. وقد أظهرت اللقطات التي تم تسجيلها لحظة الفوضى التي عانت منها المجموعة قبل انسحابها مع خسائر جسيمة، مما أدى إلى أكبر فقد في الأرواح لمقاتلي فاغنر في الأراضي الأفريقية.
بحسب التقرير، مؤشرات الهزيمة والتي أسفرت عن مقتل 46 مرتزقًا روسيًا و24 جنديًا ماليًا، قد طعنت في سمعة فاغنر التي كانت تُعتبر “لا تهزم”. في السابق، كانت المجموعة تتمتع بسمعة قوية في مجال العمليات العسكرية في مالي، مُرتكبةً العديد من الاعتداءات على المدنيين، وهو ما ساهم في تعزيز تصورها للقدرة على تحقيق السيطرة والأمان للمسؤولين المحليين. ومع ذلك، فإن هذه الهزيمة قد غيرت هذا التصور بشكل جذري، حيث انكشف زيف الوعود التي قدمتها فاغنر حول زيادة الأمان في أدائها مقارنة بمناطق أخرى مثل أوكرانيا.
عقب هذه الهزيمة، تزايدت مشاعر الإحباط في المجتمع المحلي وفي صفوف عائلات كل من قُتلوا، حيث بدأت العديد من العائلات تطالب بمعلومات واضحة حول ذويهم المفقودين، بينما أزمة الثقة في فاغنر تتسارع. أكدت إحدى الأمهات في رسالة مؤثرة على عدم استجابتها لمصادر المعلومات الرسمية، مما كشف عن الإرباك الكبير في التواصل فيما يتعلق بمصير المقاتلين. وبالإضافة إلى ذلك، أعرب ضباط من الجيش المالي عن حاجتهم لشركاء أكثر احترافية وانضباطًا لمواجهة التحديات العسكرية المتزايدة داخل البلاد.
ومع استمرار تبعات الهزيمة، قامت روسيا بجهود لتعزيز وجودها في مالي رغم الهزائم، مركزين على استعادة ثقة محليين من خلال مشروعات جديدة. فإن روسيا لا تزال ملتزمة بمصالحها الاقتصادية، خاصة مع وجود مناجم الذهب، وتواصل تكثيف عمليات التجنيد وتحسين تنسيق الدعم مع الجيش المالي. التعبير عن العزيمة الروسية في الاستمرار في المشاريع الافريقية يشير إلى عدم التراجع عن السياسة التي تبنتها موسكو في تعزيز نفوذها في المنطقة.
أخيرًا، الهزيمة التي منيت بها فاغنر ليست مجرد تراجع عسكري، بل تجسد نقطة تحول في شراكات روسيا في غرب أفريقيا، وغيرها من المناطق التي تسعى فيها لتعزيز نفوذها وسط صراعات محلية. إذ يتطلب من روسيا إعادة تقييم استراتيجيتها العسكرية والتعاون مع قادة محليين لتحقيق المصداقية والدعم المطلوب لضمان استقرار سياساتها في تلك المنطقة.