تعيش “أم عائد”، النازحة في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، حالة من القلق الدائم خلال الأسابيع الأخيرة من العملية العسكرية الإسرائيلية على مخيم جباليا. تصف أم عائد إحساسها بأنها تخشى أن تكون كل مكالمة تجرى مع أفراد عائلتها، الذين اختاروا البقاء في منازلهم بالرغم من الخطر، هي المكالمة الأخيرة. ورغم صعوبة التواصل بسبب تدمير البنية التحتية للاتصالات في المنطقة، تمكنت أم عائد من إجراء مكالمات اطمئنان، مبرزة قلقها على عائلتها المكونة من ثلاثين فردًا، معظمهم من النساء والأطفال.

تتمثل معاناة النازحين في أن حياتهم باتت مهددة في كل لحظة، حيث يحاصر الاحتلال مخيم جباليا لليوم الثامن عشر، ويقوم بشن غارات مكثفة واعتقالات عشوائية. وتقول أم عائد إنها تتابع الأخبار على قناة الجزيرة لتكون على اطلاع بما يحدث في منطقتها، وتجسد حالتها خوفًا دائمًا على أفراد عائلتها الذين اختاروا الصمود، وتجعلها تعيش تحت ضغط نفسي شديد نتيجة الصراعات المحيطة بها. تصف ليلة من ليالي الحرب بأنها “ليلة موت”، حيث شهدت دمار منزلها، وشعرت بحقيقة المخاطر التي داهمت عائلتها، مما أوصلها إلى قرار النزوح.

أم عمر، وهي نازحة أخرى من جباليا إلى حي الشيخ رضوان، تتحدث عن تجربتها في الهروب من الموت. وبالرغم من النجاة، فإن طريق النزوح كان مليئًا بالمخاوف، حيث واجهت عائلتها عالمًا من القذائف والطائرات الحربية. وتصف كيف كانوا يحملون الرايات البيضاء أثناء النزوح، في محاولة للتعبير عن عدم رغبتهم في القتال، لكنهم كانوا يشاهدون معاناة الآخرين، بما في ذلك وفاة إحدى الجيران. ومع هذا، لم تفقد أم عمر الأمل، وعبّرت عن شعورها بالخوف والقلق على عائلتها، سواء كانت معهم أو بعيدين في الشمال.

بينما تعيش أم عمر في الجنوب، فإنها تتمنى لو بقيت مع عائلتها في الشمال، حتى لو أدى ذلك إلى خطر الموت. تؤكد أن الحياة في جميع الظروف لازمتها مخاوفها على سلامة أحبتها. تُظهر الحالة النفسية للنازحين، مثلها مثل أم عائد، أنهم يعيشون تحت وطأة حالة من التوتر الدائم، حيث يتجه تفكيرهم نحو حماية عائلاتهم، مما يسبب لهم صداعًا نفسيًا مستمرًا. تشير التقديرات إلى أن حوالي 400 ألف فلسطيني ما زالوا في غزة، حيث يرفض الكثيرون النزوح عن مناطقهم.

تعاني غزة من أزمة إنسانية وصحية جراء الهجمات المستمرة، إذ تشير التقارير إلى أن أكثر من 500 فلسطيني لقوا حتفهم منذ بداية الهجوم العسكري الإضافي على جباليا، مع صعوبة تلبية احتياجات السكان. وقد تسببت الحرب في نزوح نحو مليوني فلسطيني إلى مناطق القتال، مما حول حياتهم إلى ما يشبه الكابوس، حيث تتكدس العائلات في مراكز الإيواء والخيام، بعيدًا عن منازلهم وأراضيهم.

الحياة بالنسبة للنازحين في غزة عبارة عن سلسلة من التجارب الصعبة؛ فلقد فقدوا منازلهم ويعيشون في ظروف ضيقة وغير إنسانية. تسرد أم عائد أحلامها وحياتها قبل الحرب، مع ألم الفراق المتكرر عن أفراد عائلتها. الصورة الكئيبة التي يرسمها النزوح والمجازر تكشف النقاب عن أبعاد مأساة إنسانية عميقة تعصف بكثير من الأسر، التي باتت رهينة لأهواء العنف والحرب، حيث أصبح الخوف هو القاسم المشترك بينهم، يحول الأحلام إلى كوابيس.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version