ألبرت أينشتاين، العالم اليهودي المعروف، كان له مواقف واضحة تجاه إقامة الدولة اليهودية. ففي عام 1946، خلال جلسة استماع أمام لجنة التحقيق أنجلو أميركية تتعلق بفلسطين، أبدى رفضه لمفهوم الدولة اليهودية، مؤكداً دعمه لوطن ثقافي لليهود لا يقتصر على فلسطين ولا يرتبط بالدين. حيث وصف أينشتاين الأهمية الثقافية للهوية اليهودية، محذراً من العواقب الوخيمة التي قد تحل بفلسطين نتيجة السياسات البريطانية والجهات الإرهابية التي تمثل الحركة الصهيونية.
لم يكن أينشتاين مؤيداً للممارسات الصهيونية السلبية، بل كان يعتبر أن وجود حركة إرهابية مثل مجموعة شتيرن لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوترات. وقد صرح بأن أي كارثة تواجه فلسطين سيكون البريطانيون المسؤولون عنها بشكل رئيسي، ولكن المنظمات الإرهابية اليهودية ستتحمل أيضاً جزءاً من المسؤولية. هذا الموقف يعكس اعتقاده بأن الصهيونية قد تؤدي إلى نشر العنف وزيادة حدة الصراعات بين اليهود والعرب.
تظهر كتابات أينشتاين السياسية بشكل عام أنه كان يميل نحو توجهات أكثر إنسانية، حيث كان يؤيد التعاون بين اليهود والعرب. فهو عبر في مراسلاته مع حاييم وايزمان عن أهمية الحوار وتفادي الصراعات، مشيراً إلى أن عدم التعاون مع العرب سيؤدي إلى مصير مأسوي للجميع. كانت كلماته تحذيراً من خطر العزلة والتطرف، ودعوة للسلام والاحترام المتبادل بين الشعوب.
على الرغم من أن أينشتاين كان يعتبر نفسه جزءًا من الحركة الصهيونية، إلا أنه لم يكن يوافق على أساليبها العدوانية. فقد أبدى التحذيرات بشأن ما اعتبره غطرسة الإمبريالية الأمريكية وبروز الفكر الفاشي في ممارسة السياسة الإسرائيلية. وعبّر عن مخاوفه من أن تطور الوضع سيجعل من إسرائيل مكانًا خطرًا على اليهود، وهو ما قد يتعارض مع الأهداف الأصلية للحركة الصهيونية.
كان أينشتاين يعارض بشدة تقنيات وأساليب التنظيمات الصهيونية في تلك الفترة، وكان على استعداد للتعبير عن رفضه في وسائل الإعلام العامة. في عام 1948، أطلق هو ومجموعة من الناشطين اليهود في الولايات المتحدة رسالة تندد بممارسات مناحيم بيغين. حيث اعتبروا أن أساليبه تشبه أساليب النازيين. من خلال هذا، يظهر أينشتاين كناقد جريء، لا يخشى من التعبير عن آراءه بشكل علني ومواجهة الانتهاكات.
في نهاية حياته، تم عرض رئاسة إسرائيل عليه بعد وفاة حاييم وايزمان، لكنه رفض ذلك، قائلاً إنه لا يستطيع قول الأشياء التي يجب أن تُقال. تظهر هذه الواقعة مدى وعيه بالمخاطر السياسية والاجتماعية التي قد تتعرض لها الدولة بما يتجاوز الرغبات الشعبية. في الوقت نفسه، أكد الكاتب أن مواقف أينشتاين تعكس روح الزمن الحالي، حيث لا يزال النقد البناء حول القضايا ذات الصلة بالقضية الفلسطينية هو السبيل للأمام، وأن التعبير عن المخاوف بشأن السياسات الإسرائيلية لا يجب أن يتم وصمه بمعاداة السامية.