أحدث العدوان الإسرائيلي المتواصل على غزة، الذي بدأ منذ أكثر من عام، تحولًا ملحوظًا في المواقف الأوروبية، يعكس تغيرات ليست فقط على الصعيد الشعبي بل أيضًا على المستويين الدبلوماسي والسياسي. شهدت العديد من العواصم الأوروبية، مثل مدريد ولندن وبرلين، مسيرات ضخمة تحمل الأعلام الفلسطينية وتهتف ضد القصف الإسرائيلي، الذي تسبب في استشهاد وجرح العديد من المدنيين، خصوصًا الأطفال والنساء. تعكس هذه المظاهرات رغبة الشعب الأوروبي في التعبير عن تضامنه مع غزة ورفضه للاعتداءات الإسرائيلية المستمرة.
لقد كان الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية في الشوارع الأوروبية غير مسبوق، وهو ما يعكس تأييدًا واسعًا للحقوق الفلسطينية. رأى بعض المحللين أن الخطاب الأوروبي حول حقوق الإنسان ساهم في إحراج الحكومات، مما أدى إلى حدوث بعض المرونة في السماح بخروج مظاهرات محددة، رغم وجود ضغوط من لوبيات إسرائيلية في بعض الدول، مثل ألمانيا. وأشار مدير “مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية” إلى أن موقف الحكومات الأوروبية يعد أكثر تباينًا مما يظهره الرأي العام، حيث تم قمع بعض المظاهرات، بالرغم من تأكيد الدستور الألماني على حرية التعبير.
ورغم الدعم الشعبي المتزايد لفلسطين، تراجعت نسبة الدعم الحكومي الإسرائيلي بشكل ملحوظ، خصوصًا في ألمانيا. أظهرت استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من الألمان يرون أن رد الفعل الإسرائيلي على هجوم طوفان الأقصى كان مبالغًا فيه، بينما هناك إقرار متزايد بأن السياسة العسكرية الإسرائيلية تجاه غزة غير مقبولة. يُظهر ذلك أن الرأي العام بات أكثر انتقادًا لسياسات الحكومة الإسرائيلية، مما ينعكس على العلاقات والقضايا الدولية المعقدة التي تشغل أوروبا.
إحدى النقاط البارزة في هذه التحولات كانت مواقف جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، الذي قدم دعماً واضحاً للمحكمة الجنائية الدولية في سعيها لإصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من القادة الإسرائيليين المتهمين بجرائم حرب. كان هذا الموقف قوبل بانتقادات من قبل المسؤولين الإسرائيليين، الذين اتهموا بوريل بمعاداة السامية. ومع ذلك، كان موقفه معززًا بمواقف إسبانيا التي تبنت دعمًا دبلوماسيًا قويًا للقضية الفلسطينية، في تناقض مع الأعراف الأوروبية السائدة.
من جهة أخرى، برزت إسبانيا كمؤيدة قوية للقضية الفلسطينية في الساحة الأوروبية، حيث اتخذت خطوات مثل الاعتراف الرسمي بفلسطين كدولة، ما يجعلها واحدة من الدول القيادية في هذا المجال. وبهكذا سلوك، تعكس إسبانيا تحولًا إيجابيًا في دعم حقوق الفلسطينيين، حيث حثت باقي الدول الأوروبية على اتخاذ مواقف مشابهة لتحقيق السلام والعدالة.
ايضًا، تشير الإحصائيات إلى أن القضية الفلسطينية تلعب دورًا محوريًا في وعي الجماهير الإسبانية، حيث يُظهر الاستبيان أن الغالبية العظمى من الإسبان يؤيدون وجود دولتين لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هذا الوعي الجماعي تغير بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، مما يعكس قبولًا أكبر لوجهات نظر بعيدة عن التقاليد الإيديولوجية السائدة، وهو ما يعد نجاحًا للقضية الفلسطينية في التأثير على الرأي العام الأوروبي.