في فيديو يعود لعام 2016، صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، الذي كان حينها عضوًا في الكنيست، بأن “حدود القدس يجب أن تمتد حتى العاصمة السورية دمشق” وضرورة استيلاء إسرائيل على الأردن. هذا التصريح، رغم قدمه، يسلط الضوء على الأوهام التوسعية لليمين المتطرف في إسرائيل، وهو طرح تجد أصداء له حتى خارج الأوساط اليمينية. يستند هؤلاء إلى نصوص دينية توراتية اعتبروا أنها تبرر أحلامهم في توسيع الأراضي الإسرائيلية لتشمل مناطق شاسعة في الشرق الأوسط.
تشهد تصريحات سموتريتش تكرارًا ملحوظًا في سياق الحروب التي تخوضها إسرائيل، حيث يتعزز حماس المسؤولين الإسرائيليين لتحقيق ما يسمونه “أرض إسرائيل الكبرى”. فعلى سبيل المثال، تزامنت التصريحات مع الأحداث الجارية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، حيث ازدادت الاعتداءات الإسرائيلية وأعمال العنف في الضفة الغربية، في وقت يتصاعد فيه الصراع مع حزب الله في لبنان. خلال زيارة لباريس في مارس 2023، عرض سموتريتش خريطة لـ”أرض إسرائيل الكبرى” تضم كافة أراضي فلسطين التاريخية والأردن، مبديًا إنكارًا لوجود الشعب الفلسطيني.
الأوهام التوسعية لليمين المتطرف تعود جذورها إلى معتقدات دينية تاريخية تقول بامتداد “الأرض الموعودة” من نهر النيل إلى نهر الفرات. وقد أكد معهد “التوراة والأرض” الإسرائيلي صحة هذه الأفكار، مشيرًا إلى أن قادة الحركة الصهيونية منذ تأسيسها قبل أكثر من 120 عامًا، بما في ذلك مؤسسها ثيودور هيرتزل، قد طرحوا هذه المفاهيم التوسعية. كما أظهرت عصابة “أرغون” في الفترة ما بين الانتداب البريطاني أنها تؤيد قيام دولة يهودية تشمل الأراضي التي تعرف اليوم بفلسطين والأردن.
ومن أخطر المخططات في هذا السياق خطة “ينون” التي كتبها عوديد ينون، والتي تسعى لإقامة “إسرائيل الكبرى” من خلال تقسيم الدول العربية وخلق صراعات داخلية فيها، ما يضمن النفوذ الإسرائيلي. آخذة بعين الاعتبار واقع المناطق المحيطة بإسرائيل، فإن الخطة تهدف أيضًا إلى الاستيطان في الضفة الغربية وطرد الفلسطينيين، مما يعزز السيطرة الإسرائيلية على المنطقة. تتضمن الخطة دعوات لتقسيم الدول العربية بناءً على معايير عرقية وطائفية، مما يعكس الطمع الاستعماري التاريخي.
ليس سموتريتش وحده في طرح هذه الأفكار، فقد تبنّى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو هذا المشروع أيضًا. في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أظهر خريطتين ضمتا الضفة الغربية وقطاع غزة كجزء من أراضي إسرائيل، محذرًا من “التهديدات” التي تواجه هذا الكيان. الحاخام إليعازر ميلاميد، من جهته، قدم تصورًا مشابهًا حول حدود “إسرائيل الكبرى”، مضيفًا شبه جزيرة سيناء إلى تلك المخططات. هذه الأفكار تتوافق مع رؤى قديمة حول ضرورة مواجهة “الإرهاب الإسلامي” من خلال تعزيز العلاقات الإسرائيلية مع القوى الكبرى.
ادّعا بعض الكتاب اليمينيين أن صراعات المنطقة تستدعي التحذير من التحديات التي يطرحها “الإسلام المتشدد”، ما يشير إلى رغبتهم في استخدام مثل هذه الخلافات لتوسيع نفوذ إسرائيل. هذا الأمر يتجلى في استمرار الحملات الإعلامية التي تدعو إلى تقسيم دول المنطقة لضمان بقاء إسرائيل كقوة مركزية. حتى في ظل الحروب الحالية، تطرح وسائل إعلام إسرائيلية انطباعات تشير إلى أن القضاء على حركات المقاومة مثل حماس وحزب الله سيفتح المجال لتأسيس “شرق أوسط جديد” بعلاقة تكاملية مع القوى العالمية.
يمكن القول إن الأوهام التوسعية للإسرائيليين، والتي تتجلى في قمة اليمين المتطرف، تمثل تجسيدًا لمشروع استعماري طويل الأمد ومترسخ في العقيدة الصهيونية. إن هذه الأفكار ليست مجرد دعوات لمشاريع توسيعية بل تأتي كتحديات أمنية واقتصادية للمنطقة، مما يتطلب الاستعدادات السياسية والتخطيط الاستراتيجي من الدول العربية في مواجهة مثل هذه الطموحات. مع تصاعد التوترات حاليًا، ستكون الأيام القادمة حبلى بالتحديات التي تواجه تلك المشاريع التوسعية.