غزة- في الهجومين اللذين تعرض لهما الصحفي حسن إصليح، كان زميله تامر قشطة حاضرا وشاهدا. ففي المرة الأولى التي وقعت في السابع من أبريل/ نيسان الماضي، حمله على ظهره من تحت ألسنة النار وركض به إلى المستشفى ونجا إصليح يومها رغم بتر إصبعين من يده اليمنى وإصابته بحروق.

لكن في المرة الثانية، فجر اليوم الثلاثاء، لم يكن بوسع قشطة أن يفعل شيئا، فالصواريخ كانت أسرع من خطواته، حيث استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيلية قسم الحروق في مستشفى ناصر بخان يونس جنوبي قطاع غزة، حيث كان إصليح يتلقى العلاج من إصابته السابقة.

عندما وصل قشطة مع عدد من زملائه، كان صديقه قد فارق الحياة، وجسده مغطى بالركام. ويروي للجزيرة نت تفاصيل ما جرى “كنت نائما في خيمة الصحفيين أمام بوابة مستشفى ناصر، فجرا، سمعت انفجارا هائلا يهز المكان، رأيت ألسنة اللهب تتصاعد من الطابق الثالث من قسم الحروق تحديدا حيث يتلقى حسن العلاج”.

محبة الناس

ركض تامر مع زملائه وهناك وجد الدمار والدخان والنيران، ويضيف “بحثنا عن حسن، كان الركام يغطي رأسه وصدره، حاولنا أن نوقظه، لكن دون جدوى”. حمله زملاؤه إلى قسم الطوارئ بالطابق الأرضي، وهناك أعلن الطبيب أنه قد استُشهد، وحينها بدؤوا يصرخون وسط حالة من الهستيريا.

لم يكن حسن إصليح صحفيا عاديا، كان شاهدا بصريا على مآسي غزة منذ أكثر من 15 عاما، عرفته الشوارع والمخيمات والمستشفيات، كما عرفه الناس البسطاء قبل المسؤولين. ويقول قشطة عنه “زاملته منذ 2009، كان خدوما شجاعا وصادقا، لا يمكن أن يصدر عنه خبر مزيف، فلا بد أولا أن يتأكد من صحته قبل نشره”.

وارتبط إصليح بعلاقة خاصة مع الناس، كان بمثابة صوتهم وعدستهم، بحسب قشطة، الذي يضيف “كنا نمشي معه فنحسده -على سبيل المزاح- على محبة الناس له، ونسأله: لماذا الناس لا تلتفت إلينا مثلما يفعلون معك؟ ورغم شهرته التي زادت في السنوات الأخيرة، لم يتغير وبقي الإنسان البسيط والقريب الذي يساعد زملاءه بكل ما يستطيع”.

ويكمل قشطة “حتى في خيمته التي كان يعمل وينام فيها، كان الناس يأتون إليه لطلب المساعدة، وكان دائما يجبر بخاطرهم، سواء كانت مساعدات طبية أو مالية أو نشر مناشدة عبر منصاته الإلكترونية”.

منذ أكثر من 10 سنوات، تعرف الصحفي ربيع أبو نقيرة على زميله حسن، فكوّنا علاقة مهنية وإنسانية توطدت مع الوقت. ويتحدث أبو نقيرة عن الشهيد بعبارات تختصر تجربة طويلة من العمل المشترك، قائلا إنه كان “هادئ الطباع وحاضرا دوما بخدمة الآخرين”.

ويضيف للجزيرة نت “كان حسن دائم التعاون، خاصة مع زملائه الصحفيين، يبادر لتقديم المساعدة سواء بالمعلومة أو بنقل أحدهم بسيارته، أو حتى بتقديم دعمه دون مقابل”.

متواضع وقريب

ويروي الصحفي أبو نقيرة أن الناس كانوا يلجؤون إلى حسن كمنصة للشكوى وطلب النجدة، ليس فقط لأنه كان مشهورا ويتابعه مئات الآلاف على شبكات التواصل، بل لأنه كان متواضعا وقريبا منهم. وفي خيمته الصحفية أمام مستشفى ناصر، شاهد الناس يتقاطرون عليه حاملين همومهم وآلامهم، وكان إصليح يصغي، ويصيغ مناشداتهم وينشرها على الفور.

ويضيف “لم يتكبر يوما على أحد، يرد على هاتفه دوما، ويستمع للجميع، ويمد يده لمن يحتاج، ويكتب عن من لا يملك صوتا”. ويشير أبو نقيرة إلى أن حسن كان من أوائل الصحفيين الفلسطينيين الذين احترفوا العمل عبر شبكات التواصل وكان له السبق في نشر الرواية الفلسطينية، وأصبح من أهم المراجع الموثوقة.

ويضيف “رغم ما تعرضت له حساباته من حذف وتقييد وحظر، لم يتوقف، وكان يعتبر أن رسالته الصحفية مقاومة في حد ذاتها، وأن عليه أن يوصل صوت الناس مهما كانت الكلفة”. وأردف “منذ أكثر من 15 عاما، كان موجودا في كل الميادين: عند المزارعين في حقولهم، على معبر رفح مع العالقين، في الأحياء المدمرة، في بيوت الشهداء، وبين صفوف النازحين، ودائما كان أول الواصلين، وأسرع من ينقل الصورة، وأدق من يروي”.

ويختم أبو نقيرة حديثه بالقول “لقد خسرته الصحافة الفلسطينية والناس والحقيقة”.

“كان يمدّ يده لزملائه الجدد، يعلّمهم ويوجههم ويسير بجانبهم حتى يشتد عودهم في الميدان”، هذا ما يقوله الصحفي بسام زُعرب الذي تعرّف على حسن قبل أكثر من 15 عاما في مكتب إحدى الفضائيات، حيث بدأت صداقتهما.

خير دليل ورفيق

ويقول زعرب للجزيرة نت “رغم شهرته كان حسن يسارع لمساندة زملائه، ويجيب عن أسئلتهم، يشاركهم تجاربه، ويوجههم إلى الطريق الصحيح”. ويتذكر تلك السنوات قائلا “كان لا يراك إلا ويبتسم، تشعر بقربه من الناس في كل الأوقات، كل صحفي جديد كان يجد فيه خير دليل ورفيق”.

ولمس عن قرب حب الناس للشهيد إصليح، وبساطته التي لا تنفصل عن شخصيته، حيث ظل متواضعا رغم شهرته المتصاعدة، وعلاقاته الواسعة، وعدد متابعيه الكُثر.

من حسن إصليح؟

وإصليح (38 عاما) أب لـ4 أطفال (ولد و3 بنات)، بدأ مسيرته الإعلامية أواخر عام 2009، وعمل مصورا صحفيا ميدانيا يلاحق تفاصيل العدوان والانتهاكات والدمار.

ومع انتشار ما بات يعرف بـ” الإعلام الجديد”، وشبكات التواصل الاجتماعي، طوّر إصليح أدواته، حتى صار من أشهر الناشطين في قطاع غزة، ويتابعه مئات الآلاف وخاصة عبر قناته على “تليغرام”، التي وصل عدد مشتركيها إلى أكثر من 750 ألف متابع، كما عمل مراسلا لعدد من وكالات الأنباء والفضائيات.

وعرفه الناس أيضا بسرعته الفائقة في الوصول إلى مكان الحدث، ونشر المعلومات الموثوقة، مستعينا بشبكة واسعة من العلاقات.

وتحوّلت منصاته خلال الحرب الإسرائيلية إلى مصدر أساسي للأخبار العاجلة، ليس فقط للمواطنين، بل حتى للصحفيين والمؤسسات الإعلامية الدولية. وحتى في أيامه الأخيرة، وبعد إصابته في محاولة الاغتيال الأولى، لم يتوقف عن العمل، وظل مستمرا في نشر الأخبار على منصاته الإلكترونية.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.