تتجلى مخاوف بلغاريا من موجة لجوء جديدة ليست فقط من خلال تصريحات كوستادينوف، بل أيضاً عبر تأكيدات الرئيس رادف بعد اجتماع مجلس الأمن القومي البلغاري. يأتي ذلك متزامناً مع توجهات جديدة في السياسة البلغارية، حيث يظهر انقسام واضح بين اتجاهات القومية والمحافظة وبين التيار الأوروبي الأطلسي الذي تسير عليه البلاد منذ انتقالها من النظام الاشتراكي. يُطرح هنا سؤال حول الدوافع التي جعلت من كوستادينوف يتبنى موقفاً بعيداً عن الاتجاه السائد في بلاده.
يربط كوستادينوف موقفه بعدد من العوامل الهامة. العامل الأول هو الثقافة والتاريخ، حيث يوضح أن المنطقة التي شهدت الصراع حالياً هي “مهد المسيحية” وأن المسيحيين الأوائل ما زالوا موجودين في لبنان وفلسطين. يبرز هذا الربط القوي بين الهوية الدينية والإنسانية، ويظهر كيف أنه يشعر بأن له دورًا كمدافع عن قيم مسيحية في مواجهة ما يعتبره إعلاماً مضللاً يحبس الأضواء عن معاناة الضحايا ويعكس فقط الجانب الإسلامي من الصراع.
العامل الثاني الذي يثيره كوستادينوف يتعلق بالرواية المزيفة للمعلومات التي تصل إلى المجتمع البلغاري، إذ يشير إلى أن الهجمات التي تستهدف الكنائس والأماكن الدينية يتم تجاهلها، في حين تُبرز الهجمات على النساء والأطفال بشكل مغلوط. هذه اللافتة تبرز مدى الانقسام في الخبر الإعلامي وكيف يمكن أن يكون له تأثير مباشر على الرأي العام، مما يؤدي إلى رؤية مشوهة للصراعات وأسبابها.
تتبلور دلالات ثالثة في خطاب كوستادينوف؛ حيث يتحدث عن فقدان بلغاريا لنفوذها ولعلاقاتها السابقة مع الدول العربية في الشرق الأوسط. يرى أن العلاقات التي أنشأتها بلاده كانت قوية، لكنه يحتج على أنه بعد انهيار النظام الشيوعي، فقدت بلغاريا هذه الصلات في لحظة قصيرة دون تقدير لما تحمله من فوائد اقتصادية وثقافية. هذا الفقدان ليس مجرد خسارة اقتصادية، بل أيضا إغفال لدور بلغاريا التقليدي كحلقة وصل بين الثقافات.
من الناحية الشخصية، يؤكد كوستادينوف أنه يعبر عن تجارب عائلية تاريخية حيث كانت عائلته لاجئة في القرن التاسع عشر، مما جعله أكثر حساسية تجاه محنة اللاجئين الفلسطينيين والمعاناة المترتبة على ذلك. يوضح كيف أن معاناة ثلث الشعب البلغاري عبر التاريخ أثرت عليه شخصياً وجعلته يتعاطف مع مشاعر الاضطهاد التي يواجهها الآخرون.
أخيرًا، يتطرّق كوستادينوف إلى مسألة ممارسات الدولة الإسرائيلية، مشيراً إلى كيفية استخدام الدولة للقوة في ما يبدو أنه انتهاكات. ينتقد الادعاءات الإسرائيلية بأنها ضحية الإبادة الجماعية، ويتساءل بحيرة حول كيف يمكن لمثل هذه المعاناة أن تبرر ممارسات الإبادة ضد الآخرين. يتضح من حديثه كيف أن التاريخ، والمعاناة، والهوية يتم استخدامها لتشكل مواقف سياسية يمكن أن تؤثر على المستقبل.