كابل- جاءت زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى كابل، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، لتعبّر عن نقطة تحول في العلاقات الثنائية بين طهران وحكومة طالبان. وكان عراقجي أبرز مسؤول إيراني يزور أفغانستان، معلنا أن “فصلا جديدا في العلاقات” معها قد فُتح.

واعتبر مراقبون الزيارة بمثابة اعتراف إيراني غير مباشر بحكومة طالبان. وبعد عودته إلى إيران، انتقد عراقجي ما أسماه “رُهاب طالبان” في بلاده، وأكد أنه لا ينبغي النظر إلى الحركة كعدو.

وحسب مصادر في الخارجية الأفغانية، فإن الجانب الإيراني قال إن الملف الأفغاني في طهران نُقل من قنوات أمنية واستخباراتية إلى الدبلوماسية.

وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي (يسار) يستقبل نظيره الإيراني عباس عراقجي في الخارجية الأفغانية في كابل (الخارجية الأفغانية)

مؤشرات مختلفة

في السنوات الماضية، ومع تزايد التقارب بين حكومة طالبان وإيران، كان التصور السائد هو أن العلاقات بين الطرفين ستكون تكتيكية ومؤقتة، وبعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان ستتبنى طهران نهجا مختلفا تجاه حركة طالبان في أفغانستان.

وبعد 3 سنوات من حكم طالبان، توسعت العلاقات بين الجانبين بشكل كبير، مع مؤشرات على أن علاقات إستراتيجية يتم تشكيلها بين البلدين.

كانت إيران رغم إدراكها لحساسية الأمر لدى طالبان، تدعو باستمرار إلى تشكيل حكومة شاملة في أفغانستان، لكن حكومة مسعود بزشكيان أزالت هذا الاشتراط من جدول أعمال محادثاتها مع طالبان. ثم، وعلى عكس التوقعات، اتخذت الحكومة الإيرانية الجديدة خطوات جادة في العلاقات مع حركة طالبان تمثلت بزيارة وزير خارجيتها إلى كابل.

وفي هذا السياق، يقول رئيس دائرة الشؤون السياسية بالخارجية الأفغانية ذاكر جلالي، إن الهدف من زيارة عراقجي هو إيصال رسالة واضحة أن العلاقات ستكون طبيعية بين البلدين، وستُدار من قبل القنوات الدبلوماسية.

وأوضح جلالي، للجزيرة نت، أن الوفد الإيراني ناقش كافة المواضيع المهمة مع الجانب الافغاني مثل التجارة، والمياه، وقضية اللاجئين؛ حيث طالبت الحكومة الأفغانية من الإيرانيين التريث في إعادتهم، لأن الأمر يحتاج إلى وقت لترتيب استقبالهم في أفغانستان.

علاقات جوهرية

شهدت العلاقة بين إيران وحركة طالبان توترا شديدا في الماضي، حتى أن إيران عزمت شن غزو عام 1998على أفغانستان بسبب مقتل دبلوماسيين إيرانيين في مدينة مزار شريف شمال أفغانستان.

ورغم مشكلة طالبان الأساسية مع إيران بشأن أهدافها الإستراتيجية في المنطقة، تشير التطورات الأخيرة إلى تحول جوهري في العلاقات بين كابل وطهران، حيث وصلت العلاقات الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والأمنية بين الجانبين إلى مرحلة يمكن أن نسميها “إستراتيجية”، وفق محللين.

ونشأت العلاقة بين طالبان وإيران أثناء الوجود الأميركي في أفغانستان، وقدمت لطالبان الأسلحة والدعم الاستخباراتي، وأقامت علاقات قوية مع بعض القادة. والآن، رغم التباين الأيديولوجي مع إيران، فإن الحركة تحتاج إلى طهران بسبب عزلتها الدولية وطرق التجارة المحدودة.

يقول الباحث السياسي نجيب كريمي للجزيرة نت “نظرا للعلاقات المتوترة بين طالبان وباكستان، فإن إيران أصبحت تتمتع بأكبر قدر من النفوذ على حكومة طالبان، ولديها علاقات قوية مع دائرة قيادة طالبان والقادة العسكريين البارزين، ويحتاج كل واحد الآخر، والقاسم المشترك بينهما هو شكل علاقتهما بالولايات المتحدة”.

الشراكة الاقتصادية

وصل حجم التجارة الرسمية لطالبان مع إيران إلى أكثر من 4 مليارات دولار أميركي في العام الأخير. ولم تتجاوز هذه العلاقة خلال عقدين ماضيين بين طهران وكابل ملياري دولار، بسبب تأثّر العلاقات الاقتصادية بين أفغانستان وإيران بالعقوبات الأميركية، وبما أن إيران كانت تخضع لعقوبات اقتصادية دولية شديدة، فقد كانت أفغانستان حذرة في علاقاتها مع طهران.

وقال المتحدث باسم وزارة التجارة الأفغانية عبد السلام جواد للجزيرة نت، إن صادرات إيران غير النفطية إلى أفغانستان وصلت العام الماضي إلى أكثر من 3 مليارات دولار، وهو ما يمثل نموا بنسبة 80% عن العام السابق. وتشير المحادثات الجارية بين الجانبين إلى أن توسيع العلاقات التجارية سيستمر.

على العكس من ذلك، يقول جواد إن العلاقات التجارية بين طالبان وباكستان تراجعت إلى ما دون 700 مليون دولار، بعد أن بلغت بين أفغانستان وباكستان خلال الحكومة السابقة أكثر من 2.2 مليار دولار بين 2017 و2018.

ويرى خبراء الشأن الأفغاني أن إيران لعبت دورا مهما في تقليل اعتماد طالبان على الموانئ الباكستانية عبر خط السكك الحديدية وميناء تشابهار الإيراني، لأن علاقات طالبان مع باكستان تدهورت، وتحاول كابل توسيع علاقتها التجارية مع الهند، لذا تهتم بميناء تشابهار.

جنود أفغان في مدينة هرات القريبة من الحدود مع إيران قبيل سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان صيف 2021 (الأوروبية)

العلاقات الاستخباراتية

إلى جانب التعاون الوثيق مؤخرا بين المستشارين العسكريين للحرس الثوري الإيراني وكبار شخصيات طالبان، تم تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الجانبين.

ويركز هذا التعاون بشكل أساسي على مكافحة تنظيم الدولة والمخدرات وعصابات التهريب. وأكد وزير الدفاع الأفغاني الملا يعقوب مجاهد، في تصريح صحفي، أهمية العلاقات الاستخباراتية وتبادل المعلومات خلال لقاء مع وزير الخارجية الإيراني.

بينما يقول مصدر -فضّل عدم ذكر اسمه- في الداخلية الأفغانية للجزيرة نت، “إن طالبان وإيران تواجهان بشكل مشترك النفوذ والتدخل الغربي”.

ويقول الباحث السياسي رحيم اندر للجزيرة نت “تشعر إيران بالقلق إزاء التهديد الذي تشكله الجماعات المسلحة في سيستان وبلوشستان؛ وتعتقد أنها تحظى بدعم طالبان، ويبدو أن الحركة تحاول ضبطها إلى حد ما”.

اختلافات صعبة

رغم توسع العلاقات بين طالبان وإيران، فإن هناك تحديات في العلاقة بين الجانبين، أهمها مشكلتا المياه واللاجئين، وحق إيران في نهر هلمند.

وتتهم السلطات الإيرانية طالبان بعرقلة تدفق المياه إلى إيران، وتعتقد أنها بموجب اتفاق 1972 لها الحق في 820 مليون متر مكعب سنويا من نهر هلمند، إلا أن بناء أفغانستان للعديد من السدود أدى إلى خفض تدفق المياه إلى إيران. وأدى إلى تفاقم أزمة نقص المياه في سيستان وبلوشستان.

وانتقلت العلاقات بين طالبان وإيران من المرحلة التكتيكية إلى المرحلة الإستراتيجية. وتُعد زيادة التبادل الاقتصادي والتعاون الاستخباراتي وانخفاض التوترات السياسية علامات على هذا التحول.

ورغم ذلك، لا تزال التحديات مثل قضية المياه واللاجئين وبناء الجدار مع أفغانستان أيضا قائمة ويمكن أن تؤثر مستقبلا على العلاقات بين البلدين.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version