منذ عملية طوفان الأقصى التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شهدت الساحة الإسرائيلية تصاعدًا ملحوظًا في الصراعات الداخلية، حيث تتزايد التوترات السياسية والاجتماعية ضمن المجتمع الإسرائيلي. يعكس هذا الوضع تعقيدات متنامية، بدءًا من القضايا المتعلقة بالسلطة القضائية، وصولًا إلى كيفية التعامل مع الاحتجاجات العديدة التي تشهدها البلاد بسبب السياسات الحكومية. ومع تفاقم الأوضاع العسكرية المتصاعدة، تبرز في الأفق مخاوف من أن هذه الصراعات الداخلية قد تتحول إلى نزاع أهلي، أو حتى حرب أهلية بين الإسرائيليين.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس”، ركز الكاتب ديفيد أوهانا على أثر هذه الجوانب المنقسمة من المجتمع الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن الهوية اليهودية المشتركة تواجه تحديات كبيرة. وقد استشهد الشاعر الإسرائيلي حاييم غوري بقصيدة تعبر عن هذا التوتر الداخلي، مما يدل على أن الصراعات داخل المجتمع ليست جديدة، لكنها تتضاعف في هذه الأوقات الاستثنائية. ويعبر العديد من الإسرائيليين عن قلقهم بشأن التحولات المحتملة نحو تمرد شعبي مدني، حيث تتواجد مجموعتان رئيسيتان تتصارعان من حيث رؤيتهما للمستقبل وما يجب القيام به حيال الحكومة.
يلفت أوهانا الانتباه إلى أن هذا الانقسام يمكن أن يتسبب في تصعيد التوترات بطريقة تؤدي إلى صدامات عنيفة داخل المجتمع، خاصة إذا شعرت مجموعة من الناس بأن الحكومة تتجاهل مطالبهم أو تطلب منهم الاستسلام. يشير الكاتب إلى فترات من العصيان المدني كمقدمة محتملة للحرب الأهلية، وهو ما يمكن أن يتجسد من خلال دعوات متزايدة تجاه استخدام العنف ضد الحكومة، مثل دعوات بعض المستوطنين لتدمير المحكمة العليا. وهذا يفتح المجال لتساؤلات حول التأثيرات المحتملة للحرب في الشمال على الانتخابات المقررة في 2026.
كما أن ذكر أوهانا لتاريخ الحروب الأهلية يظهر بأنه ليست كل الحروب الأهلية ضد الحكومة، بل تشمل أيضًا صراعات داخلية على السلطة. يمكن أن تكون التحولات السياسية والاجتماعية المركبة، مثل تشتيت قوى الشرطة وإنشاء مليشيات، بمثابة الأمثلة على كيف أن عدم الاستقرار الحالي يمكن أن يتطور مع مرور الوقت. يستعرض الكاتب مجموعة من أحداث التاريخ، مؤكدًا أن الفاشية لا تنشأ فجأة، بل تمر بمراحل تتطور تدريجيًا، ويشدد على أن العلامات الحالية على الأرض في إسرائيل تشبه الأحداث التي سبقت صراعات تاريخية في دول أخرى.
يتناول أوهانا أيضًا ظواهر سلبية متزايدة، مثل الاعتداءات على العرب من قبل المستوطنين، مشيرًا إلى أنه في ظل غياب التدخل الفعال من قبل الحكومة، قد تتفشى هذه الظواهر بشكل أكبر. وتحتل قضية الضغط السياسي على الحكومة وحق المواطنين في التعبير عن آرائهم مكانة بارزة في مقاله، حيث يتساءل عن إمكانية استخدام الحكومة الحالية للأزمات الداخلية كفرصة لفرض حالة الطوارئ وتأجيل الانتخابات المقبلة، وهو ما قد يؤدي بدوره إلى تصاعد الاحتجاجات.
يتوقع الكاتب أن تؤدي هذه الديناميكيات المعقدة إلى تشكيل مجتمع إسرائيلي يسير نحو العسكرة والتسليح. في هذا السياق، يشير أوهانا إلى أن الماضي يكاد يتكرر، مما يعكس العواقب الموصلة إلى نتائج مشابهة لما حصل في ألمانيا خلال حقبة الثلاثينيات. بالرغم من المخاوف من تفشي الحرب الأهلية، يُسجل الكاتب شعورًا مشتركًا بين المجتمع قد يساهم في إبطاء هذه الديناميات نحو النزاع، حيث تظل قيم التاريخ رابطًا يجمع بين الإسرائيليين.
ينهي أوهانا مقاله بالتأكيد على أن القوى المؤثرة في الصراع الداخلي ليست مجرد تباينات فكرية، بل تعكس صراعًا وجوديًا أعمق بين رؤيتين مختلفتين للحياة. يصور مشهدًا متأزمًا حيث يشير إلى اختبار الهوية الوطنية وتحدي القيم المشتركة. وعبر استخدام المثل الشهير من قصيدة غوري في ختام مقاله، يشير إلى تداخل الخير والشر في هذه الحرب الداخلية، مما يجعل من الصراع الحالي صراعًا جذريًا بين تصورات متعارضة لا يمكن التوفيق بينها بسهولة.