كتب غسان سلامة، الأكاديمي والدبلوماسي اللبناني، مقالاً طويلاً في صحيفة فايننشال تايمز تطرق فيه إلى الجاذبية المغناطيسية لمنطقة الشرق الأوسط، مشيراً إلى موقعها الاستراتيجي وكثافتها الرمزية وتنوعها الاجتماعي الذي يجعلها عرضة لعدم الاستقرار السياسي. وقد توالت عليها الغزوات منذ العصور القديمة وحتى العصر الحديث، بدءًا من قورش الفارسي والإسكندر المقدوني، وصولاً إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. تشير تلك الجاذبية إلى أنها منطقة جذب سياسي وعسكرة، مما يدفع القوى الكبرى للتدخل فيها.
ومع تراجع الإمبراطوريات الاستعمارية وازدهار عصر الاستقلال في القرن العشرين، بدأت تتشكل خرائط سياسية جديدة في الشرق الأوسط، لكنها كانت تعسفية وهشة. هذه الخرائط تميزت بتوزيع الدول الجديدة عبر تضاريس متنوعة شملت جبال وسهول وهضاب وصحاري، لكن غالبًا ما انزلق هذا التنوع إلى صراعات عرقية وسوء إدارة سياسية، إضافة إلى التدخلات الخارجية التي أدت إلى المزيد من الاضطراب والاحتقان.
تطرق الكاتب إلى التاريخ الحديث للمنطقة الذي أظهر العديد من الحلقات العنيفة، مبرزاً كيف أن جمال عبد الناصر حاول فرض الهيمنة العربية في فترة الخمسينيات، لكنه قوبل بقوة من الجيش الإسرائيلي وبالمكائد من الأنظمة العربية المحافظة. كما تناول تدخلات إيران بعد الثورة الخمينية، التي دعمت جماعات مثل حزب الله وحماس، مما زاد من حدة النزاع الإقليمي. وأشار الكاتب إلى الصراع المستمر بين إسرائيل وحركة حماس، حيث تدهورت الأوضاع في غزة بعد الهجوم في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تغيير ميزان القوى كان الهدف الأساسي لقادة إسرائيل، وخاصة نتنياهو، الذي يسعى لضم الضفة الغربية ويعيد تصميم المنطقة وفق رؤيته. وقد شهدت الفترة الماضية عمليات اغتيال وتدمير للقرى، مما هدد بتغيير ديمغرافي كبير. ورغم الانتصارات العسكرية الإسرائيلية على حماس وحزب الله، يشكك الكاتب في قدرة نتنياهو على تحقيق أكبر من مجرد انتصارات تكتيكية، مشيراً إلى أن القواسم المشتركة بين الأنظمة العربية وإسرائيل قد تتلاشى إذا تخطت إسرائيل حدود التفاهم الضمني القائم.
سلامة يطرح تساؤلات حول إمكانية نجاح نتنياهو في تحقيق هيمنة مستدامة، موضحاً أن تاريخ المنطقة يوضح أن محاولات إعادة تشكيل الشرق الأوسط غالبًا ما تنتهي بالفشل. كما أن هناك عدة عوائق، منها عدم الاستقرار في الدول المجاورة، والرفض المتزايد من قبل بعض القوى الإقليمية في حال تجاوزت إسرائيل حدودها. الاستخدام المفرط للقوة سيؤدي إلى مزيد من الغضب والتمرد ضد الهيمنة الإسرائيلية، مما يعني أن الأوضاع ستظل متوترة.
في الختام، يرى غسان سلامة أن تجنب الكوارث في هذه المنطقة المضطربة يتطلب التركيز على الحقوق السياسية للفلسطينيين، التي تبقى جوهر النزاع. ويشير إلى أن هذا الأمر غالبًا ما يتم نسيانه، مع أن إعادة الاعتراف به قد تفتح أبواباً جديدة للسلام والاستقرار في منطقة تعاني من النزاعات المستمرة.