دمشق- أفادت وسائل إعلام تركية، اليوم الاثنين، بأن حزب العمال الكردستاني قرر حل نفسه ووقف العمل المسلح في تركيا، منهيا بذلك تمردا استمر 40 عاما.
من جانبها، قالت وكالة “فرات” القريبة من الحزب إن هذه القرارات صدرت في ختام مؤتمره الثاني عشر الذي عُقد قبل أيام. وأضافت أن المؤتمر قرر حل الهيكل التنظيمي للحزب وإنهاء “الكفاح” المسلح وجميع الأنشطة التي تتم باسمه، وأنه يرى أنه “أنجز مهمته التاريخية”.
وتابعت الوكالة أن العمال الكردستاني يرى أن “الأحزاب السياسية الكردية ستضطلع بمسؤولياتها لتطوير الديمقراطية الكردية وضمان تشكيل أمة كردية ديمقراطية”، وأن العلاقات التركية الكردية بحاجة إلى إعادة صياغة.
حزب العمال الكردستاني يعلن حل نفسه pic.twitter.com/bHa7dJPoPQ
— قناة الجزيرة (@AJArabic) May 12, 2025
أكراد سوريا
كشف مصدر خاص في قوات سوريا الديمقراطية (قسد) للجزيرة نت أن مظلوم عبدي يشغل منصب القائد العام للقوات، فيما يتولى جيغر سوري قيادة القوات العسكرية بشكل كامل، وتُشرف جيندا، وهي أيضا سورية، على جهاز الاستخبارات العامة في شمال شرق سوريا. وأوضح أن جميع الأوامر تصدر من شخصية تُعرف بلقب “الدكتور”، وهي غير سورية تقيم في جبال قنديل.
ووفقا له، فإن الكوادر السورية التي تلقت تدريباتها في هذه الجبال لا يُسمح لها بمغادرة البلاد نظرا لأصولهم السورية. أما التركية الذين يتحدثون اللغة العربية ولا يحملون قيودا في السجلات الرسمية السورية، فسيُحتسبون كمواطنين سوريين من “مكتومي القيد” سابقا.
وأكد أن غالبية المقاتلين الأجانب سيغادرون الأراضي السورية بعد إعلان حل حزب العمال الكردستاني، حيث خرج عدد كبير منهم بالفعل، في حين أصبحت قيادة معظم الألوية العسكرية بأيدي ضباط عرب.
وفيما يتعلق بقرار الحزب، رجّح المصدر نفسه أن تتنصل منه القيادة العامة لـ”قسد”، وتزعم أنه تركي ولا تربطها به علاقات رسمية. إلا أن الخوف الأكبر، وفقا له، يكمن في إمكانية حدوث خيانة من قبل الحزب في تركيا، إذا تم التوصل إلى اتفاق مع الدولة التركية على حساب الوجود الكردي في سوريا.
وأكد المصدر ذاته أن الوضع الأمني في مناطق شرق سوريا مستقر في الوقت الراهن، وأن القيادة أغلقت باب الانتساب إلى التشكيلات العسكرية، مما أدى إلى انخفاض عدد المقاتلين إلى نحو النصف.
وبخصوص قوات “الأسايش” (الأمن الداخلي)، أوضح المصدر أنها قوة شرطة مدنية لا تشارك في المعارك، ويجري حاليا تأهيلها أكاديميا ونفسيا تمهيدا لدمجها مع جهاز الأمن العام السوري. كما أشار إلى استعدادات لدخول وفود من حكومة دمشق لتشغيل دوائر الدولة الرسمية.
وكشف أن قائد منطقة الرقة الحالي هو سوري كردي يُدعى “أنغين”، في حين يتولى “غريبوز”، وهو أيضا سوري كردي، قيادة منطقة الطبقة بريف الرقة. وأكد أن الجنرال مظلوم عبدي أبدى تشجيعه لقرار حل الحزب، مرجحا وجود وعود دولية بشأن مستقبل قوات “قسد” ضمن إطار الحل السياسي السوري، وهو ما يمنحه الكثير من الاطمئنان تجاه التفاهم مع الحكومة السورية.
تداعيات إقليمية
وفي أول رد فعل من جانب أنقرة، قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم عمر جليك إن التنفيذ الكامل لقرار العمال الكردستاني حلَّ نفسه وتسليم سلاحه بشكل كامل، بما يؤدي إلى إغلاق جميع فروعه وامتداداته وهياكله غير القانونية، سيكون نقطة تحول حاسمة.
يرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أن التصور لتقدّم حل سياسي في سوريا شكّل أساسا في التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا، خاصة ما يتعلق بمسار التسوية بين الحكومة والأكراد. وقال للجزيرة نت إن الخطوة التي اتخذها الحزب، إن صحت، ينبغي أن تتبعها خطوات متبادلة من كلا الجانبين، خصوصا من أنقرة في إطار معالجتها للأزمة الأمنية المرتبطة بهذا الملف.
وأوضح أن لدى الجانب التركي مطالب تتعلق بقيادة الحزب وعلى رأسها الزعيم عبد الله أوجلان، وأن هذه التطورات ستؤثر بشكل كبير على المشهد السياسي والأمني. وأضاف أن القضية الكردية لم تعد محصورة في الإطار الداخلي التركي، بل تمددت تداعياتها في السنوات الأخيرة لتشمل ساحات إقليمية ودولية متعددة، منها السورية.
وحول مستقبل قوات قسد، اعتبر عودة أوغلو أن الحديث عن تفكيكها أو تسليم سلاحها لا يزال مبكرا جدا، قائلا إنها تمثل حاليا “أداة للولايات المتحدة تحت مسمى مكافحة الإرهاب، وتحديدا تنظيم الدولة الإسلامية”. ولفت إلى أن هناك معضلات هيكلية تعترض طريق اندماجها بشكل فردي داخل الجيش السوري، وهو أمر مرهون بشكل كبير بالتطورات الجارية في الداخل التركي، إضافة إلى ما قد تشهده الساحة السورية من تحولات.
وبشأن العلاقة بين قسد والحكومة السورية، أشار إلى وجود مشاورات تمت خلال الفترة الأخيرة خاصة فيما يتعلق بملف النفط وحقول الطاقة التي تسيطر عليها قسد تحت إشراف أميركي مباشر. وأكد أن غياب تحركات ملموسة بشأن الانسحاب الأميركي يكرس حالة الجمود في هذا الملف في ظل استمرار الخلافات بين الحكومة السورية وقسد.
أما عن الدور التركي في الملف السوري، فأوضح الباحث أنه يتوقف بدرجة كبيرة على المتغيرات الإقليمية والدولية، مشيرا إلى التحركات التركية الأخيرة تجاه إسرائيل وما قابلها من مساع أميركية لتنظيم إيقاع هذه العلاقة.
وأكد أن أنقرة تسعى إلى إنجاح المسار السياسي السوري، وأن هذا النجاح مشروط بتحقيق تقدم في الوضع الأمني خاصة في شمال سوريا. وختم بأن ضبط الأمن في تلك المناطق سيكون عاملا إيجابيا في تعزيز الثقة والمضي قدما نحو بناء دولة سورية جديدة.
وبحسب خبراء، تشمل التأثيرات المحتملة على الملف السوري:
- تخفيف الضغوط التركية على قوات سوريا الديمقراطية.
- يُتوقع أن يؤدي حل الحزب إلى عدم شن عمليات عسكرية تركية ضد “قسد”، خاصة إذا انسحبت القيادات المرتبطة بالحزب من الأراضي السورية، مما قد يمنح الأكراد السوريين فرصة أكبر للمشاركة في إعادة تشكيل مستقبل سوريا سياسيا.
تحول مهم
من جانبه، قال فراس علاوي، الكاتب والباحث في العلاقات الدولية، للجزيرة نت، إن حل حزب العمال الكردستاني يمكن أن يُحدث تحولا مهما في المشهد السياسي والأمني في المنطقة. وأوضح أنه سيساعد في تهدئة الأجواء المتوترة خاصة على الحدود التركية السورية، مما قد يدفع أنقرة إلى إعادة النظر في إستراتيجياتها، سواء من ناحية التدخل في الشأن السوري أو التعاون مع دمشق.
وأضاف أنه سينعكس بشكل مباشر على القوى الكردية في سوريا، وعلى رأسها “قسد” و”حزب الاتحاد الديمقراطي”، نظرا لأن العمال الكردستاني يُعد الحليف الأبرز لهما. وتابع “بالتالي، فإن إضعاف الكردستاني سيؤثر سلبا على موقف قسد التفاوضي مع الحكومة السورية”.
ورغم احتمال قيام قسد بحل نفسها أو تسليم السلاح، يرى علاوي أن ذلك يظل مرتبطا بسياق التفاهم، لا سيما بالاتفاق بين القيادة السورية ومظلوم عبدي، قائد قسد. وأوضح: “حل الحزب سيمنح دمشق أوراقا قوة إضافية، مقابل تراجع النفوذ الكردي، مما قد يسرّع تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الحكومتين السورية والتركية”.
بَيد أنه حذر من سيناريوهات معاكسة، موضحا أنه “إذا انتقل قادة الحزب إلى الداخل السوري دون تفكيك منظومته العسكرية، فقد نشهد تصعيدا وتشددا أكبر في الموقف الكردي داخل سوريا، ما سينعكس سلبا على المنطقة برمتها”.
وقال “في حال ضعُف نفوذ العناصر المتشددة داخل قسد، قد يكون الدور التركي أكثر تأثيرا دبلوماسيا. أما إذا تعزز هذا النفوذ، فقد نشهد تدخلا تركيا مباشرا، ولكن هذه المرة عبر الأدوات العسكرية”.
وكانت “قسد” قد وقعت اتفاقا مع الحكومة السورية يقضي بدمج قواتها ضمن الجيش السوري الجديد، والتعاون في مجالات اقتصادية وسياسية خلال اجتماع جمَع الرئيس أحمد الشرع وقائد قسد مظلوم عبدي في مارس/آذار الماضي.