غزة- “فجأة وقع انفجار كبير، طرت في الهواء، ووجدت نفسي بعد ذلك في المستشفى”، بهذا يلخص الشاب العشريني طلال السميري الحادثة التي أصيب بها بجروح في أنحاء جسده وفقد وعيه، جراء انفجار ذخائر من مخلفات قوات الاحتلال الإسرائيلي.

أنهك النزوح السميري (28 عاما)، وعندما دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ودولة الاحتلال حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، قرر العودة إلى منزله في شرق منطقة القرارة شمال شرقي مدينة خان يونس، التي كانت مسرحا لعمليات جيش الاحتلال إبان العملية العسكرية البرية الواسعة واجتياح المدينة في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول وأبريل/نيسان الماضيين.

ولخطورة هذه المنطقة القريبة من السياج الأمني الإسرائيلي المحيط بقطاع غزة من الناحية الشرقية، اضطر طلال وأسرته للنزوح مع بداية اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وعايشوا ويلات التنقل الجبري من مكان إلى آخر.

الشاب طلال السميري أصيب بجروح وحروق في أنحاء جسده جراء انفجار عبوة من مخلفات الاحتلال (الجزيرة)

قنابل موقوتة

كان السميري يعلم أن منزله مدمر، ولكنه سارع عائدا إلى المنطقة التي شهدت ولادته ونشأته، يقوده الشوق والحنين إليها. وقال للجزيرة نت “دمروا منزلنا منذ بداية الحرب، ولكنني ذهبت لإقامة مأوى لأسرتي والعودة للعيش في المنطقة التي نعرفها وتعرفنا”.

وإلى جانب بقايا منزله المدمر عمل الرجل بجد على إقامة غرفتين من الصفيح والخشب والقماش، لتهيئة المكان لعودة أسرته، وبينما هو منهمك في ذلك شاهد جرافة تابعة للبلدية تعمل على مقربة منه. وقال “ذهبت لأطلب من سائق الجرافة أن يزيل الركام ويفتح الشارع لنتمكن من السير ونقل أمتعتنا، وقبل أن أتحدث معه وقع انفجار كبير”.

أصيب طلال بشظايا في ساعده وبطنه ووجهه، وفقد وعيه، ولمّا استيقظ وجد نفسه على سرير يتلقى العلاج في مجمع ناصر الطبي غرب مدينة خان يونس.

مر نحو أسبوعين على هذه الحادثة، ولا يزال طلال وعدد آخر من الجرحى الذين أصيبوا معه يتلقون العلاج في المستشفى، وبعضهم في حالة صحية صعبة استدعت دخولهم قسم العناية الفائقة، وبينهم أطفال أصيبوا بحالات بتر في الأطراف وإعاقات دائمة.

عشرات آلاف الفلسطينيين عادوا إلى مناطقهم المنكوبة بدون تأمينها من مخلفات الاحتلال (الأوروبية)

فقد عينه

أحد هؤلاء الأطفال هو سعيد عبد الغفور (15 عاما)، الذي كان على مقربة من الجرافة يتابعها مع أطفال وفتية آخرين وهي تعمل على تسوية الأراضي وتهيئتها من أجل التسهيل على سكان المنطقة للعودة إليها.

فقد هذا الطفل عينه، وأصيب بحروق شديدة في الوجه وأنحاء متفرقة من جسده، ولا يزال يتلقى العلاج في قسم الجراحة بمجمع ناصر الطبي.

لا يعلم عبد الغفور ما الذي حدث بالضبط، لكن هذه الحادثة ستترك أثرها عليه لبقية حياته وقد فقد عينه اليمنى. وقال للجزيرة نت “كنت قرب الجرافة وهي تعمل على تسوية الشوارع والأراضي وإزالة الركام والأنقاض، وفجأة وقع الانفجار”.

لم يحتمل هذا الطفل الحديث طويلا عن الحدث، واستكمل والده عبد الحي الحديث، وذكر للجزيرة نت قائلا “يبدو أن عبوة ناسفة تفجرت بعد أن داستها الجرافة وأصابت عددا كبيرا من الموجودين بالقرب منها بما فيهم ابني، وموظف بلدية فقد كلتا عينيه”.

كان عبد الحي وأسرته نازحين عن المنطقة منذ بداية اندلاع الحرب، وتشجع للعودة إليها وهو يشاهد العودة الكبيرة للنازحين إلى مناطقهم في شمال القطاع بعد اتفاق وقف إطلاق النار. ويقول إنه أقام خيمة في المنطقة لينتقل إليها مع أسرته، بعدما دمرت قوات الاحتلال منزله وغالبية المنازل المحيطة في المنطقة.

مصائد موت

وتشير تقديرات رسمية إلى أن جيش الاحتلال شنّ خلال حربه على القطاع نحو نصف مليون غارة، استخدم فيها حوالي 92 ألف طن من المتفجرات، نحو 18% من الصواريخ والقذائف لم تتفجر، وهي بمثابة “مصائد موت” تتربص بالمواطنين، خاصة الأطفال.

ويقول مدير عام الإمداد والتجهيز في جهاز الدفاع المدني محمد المغير للجزيرة نت إن 150 مواطنا، 70% منهم أطفال، استشهدوا، وأصيب أكثر من 300 آخرين، جراء انفجار أجسام من مخلفات الاحتلال منذ اندلاع الحرب.

ويصنف رئيس أقسام الأطفال ومدير مبنى التحرير بمجمع ناصر الطبي الدكتور أحمد الفرا، هذه المخلفات إلى صنفين:

  1. الأول هي القذائف غير المتفجرة، وتشكل عبئا كبيرا لخطورتها البالغة، حيث إنها تكون غالبا مخفية ومدفونة في الرمال أو بين ركام وأنقاض المنازل والمباني المدمرة، وهي عرضة للانفجار في أي لحظة، وإيقاع ضحايا، كحادثة منطقة القرارة التي أوقعت 16 مواطنا بين شهيد وجريح.
  2. والصنف الثاني من هذه المخلفات بحسب حديث الفرا للجزيرة نت، يتمثل في المنازل والمباني المدمرة أو التي استهدف جزء منها بصواريخ وقذائف الاحتلال، وهي غير صالحة للسكن والاستخدام، ليس فقط خشية الانهيار، ولكن جراء “اليورانيوم المستنفد” الصادر عن الانفجار، ويختلط بالبيئة والمكان المستهدف، وهي مواد مشعة خطرة جدا ومسرطنة.

وبحسب الفرا، فإن مخاطر هذه المخلفات بشقيها ستشكل عقبة كبيرة أمام عمليات إعادة الإعمار، وتزداد خطورتها على الأطفال خاصة مع عودة المواطنين لمناطقهم ومحاولتهم إجراء إصلاحات في منازلهم المدمرة للإقامة في بقاياها أو على مقربة منها.

وتتهم السلطات المحلية، التي تديرها حماس في غزة، دولة الاحتلال بعرقلة دخول الآليات الثقيلة والمعدات اللازمة للتعامل مع الركام الهائل والآثار الكارثية التي خلفتها الحرب، وعرقلة تنفيذ البروتوكول الإنساني المنصوص عليه في اتفاق وقف إطلاق النار.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version