سوريا – شن مسلحان هجوما على قاعدة حميميم الجوية الروسية غربي سوريا، مما أسفر عن مقتل جنديين، وفقا لما ذكره مسؤول حكومي سوري وناشط محلي.

ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن مصدرين لم تكشف عن هويتيهما، أنه تم أيضا قتل المسلحين اللذين نفذا الهجوم أول أمس الثلاثاء.

وقال المسؤول السوري إنه لم يتضح ما إذا كان الشخصان اللذان قتلا في القاعدة جنديين روسيين أم متعاقدين سوريين. ووفقا للوكالة، لم ترد وزارة الدفاع الروسية على طلب للتعليق. كما لم تصدر الحكومة السورية أي بيان رسمي حول الحادث.

تعرضت قاعدة حميميم الروسية لهجوم مسلح أدى لمقتل جنديين (الجزيرة)

اعتداء على مدنيين

أكد رامي الشاعر، المحلل السياسي المقرب من دوائر صناعة القرار في روسيا، أن ما حدث في القاعدة الروسية مؤخرًا لا يجب وصفه بـ”هجوم”، بل بـ”اعتداء إرهابي”، مشيرًا إلى أن هذا الاعتداء استهدف قاعدة يوجد فيها عدد كبير من العائلات السورية، معظمهم من المدنيين الذين لجؤوا إليها هربًا من التوترات الأمنية في الساحل السوري.

وأضاف الشاعر، في تصريحات خاصة للجزيرة نت، أن السلطات السورية تبذل جهودًا كبيرة لمعرفة الجهة التي تقف وراء تلك الأحداث، مؤكدا أن هناك تحقيقات جارية لمحاسبة كل من تورط في إراقة الدماء، خصوصًا بين المدنيين.

وفي السياق، أوضح أن الرئيس السوري أصدر مرسومًا قبل أيام لتمديد عمل لجنة التحقيق شهرين إضافيين، وهو ما يعكس -بحسب الشاعر- اهتمامًا مباشرًا من الرئيس بالقضية ومتابعته الدقيقة لسير التحقيقات.

وتابع “لا أستبعد أن يكون هذا الاعتداء نتيجة استياء بعض الأطراف من عمل لجنة التحقيق، أو حتى من قرار تشكيلها أساسًا، خاصة بعد أن توصلت اللجنة إلى نتائج أولية تحدد بشكل واضح بعض المسؤولين عن أحداث الساحل السوري”. وشدد على أن الحكومة السورية الحالية لن تتهاون في محاسبة المتورطين.

كما أشار الشاعر إلى أن “العملية الإرهابية” الأخيرة قد تكون محاولة لإرباك جهود التحقيق، لكنها لن تنجح في ثني القيادة السورية عن استكمال المسار القضائي ومحاسبة المتورطين، سواء في أحداث الساحل أو في الاعتداء الأخير.

جندي من الجيش السوري أمام القاعدة(الجزيرة)
جندي من الجيش السوري أمام قاعدة حميميم الروسية بسوريا (الجزيرة)

موسكو ودمشق

وفي ما يتعلق بالعلاقات بين موسكو ودمشق، أكد الشاعر أن هذه العمليات لن تؤثر بأي شكل على متانة العلاقات الروسية السورية، التي وصفها بـ”الإستراتيجية”. وأضاف أن روسيا تواصل دعمها للحكومة السورية في مختلف المجالات، لا سيما في الملفات الاقتصادية والأمنية والدبلوماسية، مؤكدًا أهمية التعاون الدولي لتجاوز تداعيات العقوبات الاقتصادية التي فاقمت من معاناة الشعب السوري.

وبدأ الهجوم، وفق ما أفاد شاهد عيان يقيم في محيط القاعدة لوكالة الصحافة الفرنسية من دون الكشف عن هويته، “عند الساعة السابعة صباح الثلاثاء واستمر لساعة، سمعنا خلالها دوي إطلاق رصاص وقذائف مع تحليق مسيرات في الأجواء”. وقال إن سكان المنطقة كانوا قد “رصدوا انتشارا لعناصر الأمن العام في محيط القاعدة منذ أيام”.

وكشف الأكاديمي والباحث المتخصص في الشأن الروسي محمود الحمزة، في تصريح للجزيرة نت، أن وضع القاعدة الجوية الروسية في حميميم يشهد حالة من عدم الاستقرار والغموض، مشيرًا إلى أن مصيرها لا يزال غير محسوم مثل قاعدة طرطوس.

وأكد الحمزة أن هناك قضايا عالقة بين موسكو ودمشق لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنها، خاصة في ظل الحكومة السورية الجديدة.

وأوضح أن الحكومة السورية الحالية قدّمت مجموعة من الطلبات إلى موسكو، إلا أن الأخيرة لم ترد عليها حتى الآن، وفي مقدمتها ما يتعلق بمصير بشار الأسد، الذي وصفه بـ”المجرم الهارب”، والأموال التي نهبها، بالإضافة إلى مصير آلاف الضباط التابعين للنظام السابق الذين استقروا في روسيا. واعتبر أن هذه الملفات الشائكة تعكس توترًا حقيقيا في العلاقات بين الجانبين.

دوافع وأسباب

وفي سياق متصل، أشار الحمزة إلى أن القاعدة الروسية حميميم، رغم عدم التعرض لها خلال انتصار الثورة السورية، استقبلت في الآونة الأخيرة عددًا من فلول النظام الهاربين عقب أحداث الساحل الأخيرة، مما أثار جدلًا واسعًا داخل الأوساط السورية.

ووصف الهجوم الأخير على قاعدة حميميم بأنه تطور خطير، خاصة وأنه وقع في منطقة ذات أغلبية علوية، مما يحمل دلالات سياسية وأمنية بالغة الأهمية. وأفاد بأن التقارير تشير إلى أن المهاجمين ينتمون لجماعات أوزبكية متشددة موجودة في سوريا.

عناصر من الجيش تضع حاجزاً على باب قاعدة حميميم الروسية بعد الهجوم الذي تعرضت له (الجزيرة)

وأضاف الحمزة أن من المرجح أن الهجوم تم دون علم أو موافقة الحكومة السورية الجديدة، التي لا مصلحة لها في خلق الفوضى أو التوتر داخل البلاد، مرجحًا أن يكون الحادث ناتجًا عن تحركات فردية لمتشددين يحملون عداءً أيديولوجيًا تجاه روسيا.

وفي إطار تفسير دوافع هذا العداء، أشار إلى أن “المتشددين الإسلاميين” يرون في روسيا عدوًا إستراتيجيًا، ليس فقط في سوريا بل في عدة مناطق أخرى. وربط الهجوم بتصريحات سابقة أدلى بها مسؤولون روس كبار، من بينهم وزير الخارجية سيرغي لافروف ونائب رئيس مجلس الدوما، تحدثوا فيها عن “إبادة جماعية” للعلويين والمسيحيين، وهو ما وصفه الحمزة بأنه “تصريحات غير دقيقة وغير واقعية”.

وانتقد الحمزة الإعلام الروسي وبعض المسؤولين الذين ينخرطون في مواقف وتصريحات تؤجج الأوضاع وتزيد من تعقيد المشهد، مؤكدًا أنه لا وجود لعمليات تصفية جماعية كما يُروّج، وإنما هناك مواجهة بين الدولة وجماعات مسلحة خارجة عن القانون.

تواجه روسيا معادلة جديدة في كيفية الحفاظ على مكاسبها الإستراتيجية والعسكرية والاقتصادية في سوريا بعد سقوط نظام الأسد. ويتساءل مراقبون عمّا إذا كانت موسكو ستعيد تموضعها لدعم النظام الجديد، أم أن نفوذها مرشح للتراجع لصالح قوى دولية وإقليمية أخرى.

العميد والخبير العسكري محمد الخالد يؤكد أن هناك عدة دوافع لهذا الهجوم، منها أن يكون بفعل فصائل تريد الانتقام من الجنود الروس المسؤولين عن مئات المجازر بحق السوريين لمساندة بشار الأسد، وكذلك حمايته في روسيا بعد سقوطه.

وأضاف، في حديث للجزيرة نت، أن السبب قد يكون أيضا حماية القاعدة الروسية لقادة عسكريين في جيش الأسد المخلوع والتخوف من قيام روسيا بدعمهم عسكريا لتشكيل تمرد عسكري كما حصل في مارس/آذار الماضي، لذلك هناك نوع من إبقاء القاعدة الروسية تحت الضغط بهدف رفع سقف التفاوض، وفق رأيه.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version