القدس المحتلة- فجر الجمعة، تغير المشهد في المنطقة فجأة، مع تنفيذ إسرائيل سلسلة ضربات جوية مركزة داخل العمق الإيراني، استهدفت مواقع شديدة الحساسية، أبرزها منشآت نووية وقيادات رفيعة في الحرس الثوري والبرنامج النووي الإيراني.
ورغم التكتم الرسمي، سرَّبت مصادر أمنية إسرائيلية معلومات تفصيلية عن 3 عمليات نفذها “الموساد” بالتزامن مع الهجمات الجوية ضمن العملية التي سمتها إسرائيل “الأسد الصاعق”، مما يشير إلى أن ما جرى لم يكن مجرد قصف جوي عابر، بل عملية متعددة الأذرع وواسعة النطاق، تهدف إلى شلّ مفاصل القوة الإيرانية من الداخل.
وشملت الضربات منشآت نووية بالغة الأهمية، في مقدمتها منشأة “نطنز” التي تعد القلب التقني للمشروع النووي الإيراني، إلى جانب اغتيال شخصيات قيادية وازنة، منها رئيس الأركان، وقائد فيلق بالحرس الثوري، وعلماء بارزون في المجال النووي.
الضربة، كمرحلة أولى من عملية أوسع، حملت طابعا استخباراتيا دقيقا، لتحقيق أهداف معنوية وإستراتيجية، لإظهار اختراق عميق للنظام الإيراني وتقويض ثقته بقدراته الدفاعية.
خطة تضليل
لم يكن عنصر المفاجأة صدفة، بل نتيجة خطة تضليل محكمة اعتمدت على تسريبات مدروسة عن خلافات مع واشنطن، وتصريحات إسرائيلية موجهة توحي بعدم نية التصعيد، تزامنا مع انشغال طهران بالمفاوضات النووية، مما عزَّز شعورها بالأمان الزائف.
ورغم نفيها الرسمي، تشير التحليلات إلى أن واشنطن قدَّمت دعما استخباراتيا ولوجيستيا للعملية، في إطار تفاهم غير معلن بين واشنطن وتل أبيب لتحجيم إيران دون التورط في مواجهة مباشرة.
ويذهب محللون إلى القول: إن إيران تقف اليوم على حافة منعطف تاريخي، قد يؤدي إلى تصدع داخلي، إن فشلت في ترميم هيبتها أو تثبيت قدرتها على الردع.
وعليه، فإن أي رد قوي ومباشر من إيران قد يستدرج الولايات المتحدة إلى مواجهة مفتوحة، مما سيفضي إلى تداعيات كارثية على الداخل الإيراني.
وترى بعض التحليلات أن ما جرى ليس مجرد هجوم، بل اختبار إستراتيجي قد يمهد لتغيرات جوهرية في توازن القوى بالمنطقة، إذ تتوافق القراءات أن الضربة أبرزت عمق الاختراق الاستخباراتي الذي وصل إلى كبار القيادات والهيئات الحساسة.
بموافقة أميركية
ويرى الباحث في الشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت أن ما جرى لم يكن ليحدث دون تنسيق مسبق مع أميركا، رغم نفي الأخيرة المتكرر مشاركتها في العملية.
ويوضح شلحت للجزيرة نت أن سياق العملية جاء في وقت حساس، تزامنا مع مباحثات نووية بين طهران وواشنطن، مما يضع علامات استفهام كبيرة حول التوقيت، ويعزز فرضية وجود تفاهم غير معلن بين تل أبيب وواشنطن.
ويشير إلى أن تسريبات إسرائيلية وأميركية تؤكد تنسيقا كاملا مع واشنطن في تنفيذ الضربة، رغم نفيها الرسمي، معتبرا أن الإنكار الأميركي محاولة لتفادي التورط العلني في التصعيد.
ويعتقد أن توقيت الضربة مرتبط بدوافع إسرائيلية داخلية، أبرزها احتجاجات متصاعدة، وفشل عسكري في غزة، وضغوط أميركية، مما دفع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو -المطلوب ل بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- لتوجيه الضربة بهدف إنقاذ حكومته، وإعادة ضبط المشهد السياسي الداخلي والحفاظ على تماسك الائتلاف.
ولم تقتصر الضربة -حسب شلحت- على استهداف منشآت نووية أو مواقع عسكرية فحسب، بل أرادت خلق حالة من الفوضى القيادية داخل النظام الإيراني، وذلك باغتيال قيادات عسكرية وأمنية بارزة وعلماء في البرنامج النووي، الأمر الذي يشير إلى سعي إسرائيلي واضح لشلّ قدرة إيران على التحكم بالردّ الميداني.
وبشأن الرد الإيراني، يتوقع شلحت أن يكون قويا ومباشرا، وليس رمزيا، نظرا لحجم الخسائر التي تكبدتها طهران، ولأن إسرائيل تجاوزت كافة الخطوط الحمراء، ويرى أن أي رد إيراني محدود سيكون بمثابة اعتراف غير مباشر بنجاح إسرائيل في تحقيق أهدافها الإستراتيجية.
ويختم قائلا: إن نتائج الضربة الأولية تؤكد وجود اختراق إسرائيلي عميق داخل المنظومة الإيرانية، وأن طهران تقف اليوم أمام لحظة فارقة، حيث سيحدد شكل ردّها ما إذا كانت لا تزال قادرة على فرض معادلات ردع، أم أنها دخلت مرحلة تراجع إستراتيجي في ظل مفاوضات نووية شائكة مع واشنطن.
بين الضغط والرد
من جهته، يقارب الكاتب والمحلل السياسي طه إغبارية، الضربة الإسرائيلية لإيران من زاوية التوقيت والبعد الإستراتيجي، مؤكدا أنها جاءت في لحظة حساسة من مسار المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن، حيث كانت تستعد لجولة مفصلية من المحادثات.
وقال للجزيرة نت: إن التصعيد الإسرائيلي لم يكن مفاجئا، بل سبقه تمهيد إعلامي وتصريحات متكررة عن الجهوزية والنية لضرب إيران، مما عكس استعدادا نفسيا وميدانيا لدى الرأي العام الإسرائيلي.
ويجزم إغبارية بأن مثل هذه الضربة لا يمكن تنفيذها دون تنسيق مع أميركا، قائلا: إن واشنطن وإن لم تشارك بشكل مباشر في العملية العسكرية، فإنها مستفيدة منها سياسيا، وتستخدمها كورقة ضغط على إيران لدفعها نحو تقديم تنازلات في المفاوضات النووية وقبول الشروط الأميركية.
أما على المستوى الداخلي الإسرائيلي، فيرى إغبارية أن نتنياهو، المعروف بسعيه للهروب إلى الأمام عند الأزمات، وجد في هذه العملية فرصة لتعزيز موقعه السياسي، بعد سلسلة إخفاقات في غزة وفشله في وقف معركة “طوفان الأقصى”.
ويعتقد أن الضربة قد تكون جزءا من مخطط عسكري أُعد له مسبقا، واستثمره نتنياهو في وقت حساس لحصد مكاسب سياسية داخلية، لا سيما في ظل تصاعد الغضب الشعبي وضعف حكومته.
ويضيف أن تداعيات هذه الضربة قد تتجاوز الأهداف العسكرية المباشرة، لتفتح الباب أمام تحولات سياسية داخل إسرائيل والمنطقة، خصوصا إذا اتضح لاحقا أن إسرائيل نجحت في تحقيق أهدافها الإستراتيجية من الضربة.
ويخلص الكاتب إغبارية إلى أن الرد الإيراني سيكون العامل الحاسم في تحديد مسار الأحداث، مشيرا إلى أن ردا محدودا سيمنح إسرائيل تفوقا سياسيا ومعنويا، في حين يفتح أي رد قوي الباب أمام مواجهة شاملة، مما قد يستدعي تدخلا أميركيا ودوليا سريعا لاحتواء التصعيد ومنع اندلاع حرب إقليمية واسعة.