القدس المحتلة- قوبلت تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، حول طرحه لإقامة دولة فلسطينية في السعودية، بموجة من ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة، ووجهت انتقادات شديدة اللهجة إليه، وتعاملت مع تصريحاته بنوع من “السخرية” و”الاستهزاء”، وهناك من وصفها بـ”النكتة المضحكة”.

وفي مؤشر يعكس حجم الغضب والانتقادات في إسرائيل لتصريحات نتنياهو، عمدت وسائل الإعلام الإسرائيلية على تسليط الضوء على مواقف الرياض والدول العربية والإسلامية، الرافضة لدعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي، وإبراز الموقف المبدئي للعالمين العربي والإسلامي الداعم للشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال، وعكس حالة الغضب ضد إسرائيل ورفض التطبيع.

وأجمعت القراءات للمحللين السياسيين وتقديرات مراكز الأبحاث الأمنية في تل أبيب، على أن هذه التصريحات التي أتت لإرضاء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تعد بمثابة “خطأ إستراتيجي”، وتبعد أي مسار للتطبيع بين إسرائيل والسعودية، التي عززت من مكانتها ودورها وحضورها كدولة عظمى بالشرق الأوسط.

وتتوافق قراءات المحللين والباحثين الأمنيين أن تصريحات نتنياهو بشأن السعودية وفلسطين، وكذلك التصريحات المتناقضة لترامب بشأن ما يعرف بـ”خطة غزة” والتي تحمل في طياتها مشاريع تهجير، لا تخدم إسرائيل وتطلعها للتطبيع مع السعودية والدول العربية المعتدلة.

وهناك من يعتقد من المحللين والباحثين أن مثل هذه التصريحات من شأنها أن تحدث ردة عكسية ضد تل أبيب وواشنطن، وتسهم في تعزيز الوحدة والتقارب السياسي والتحالفات بين العالمين العربي والإسلامي ضد هذه المخططات.

“نكتة سخيفة”

وصفت مراسلة صحيفة “يديعوت أحرونوت” للشؤون العربية ليؤور بن أري، تصريحات نتنياهو بـ”النكتة السخيفة”، وانتقدت تعمده الضحك والاستخفاء، حين كرر تصريحاته بشأن السعودية، التي بدت مواقفها أكثر صرامة تجاه إسرائيل، حيث أكدت الرياض أن “هذه التصريحات تهدف إلى صرف الانتباه عن الجرائم في غزة”.

ومن وجهة نظر بن أري، فإن تصريحات نتنياهو أحدثت ردة عكسية ضد إسرائيل، حيث أسهمت في توحيد العالمين العربي والإسلامي حول طرح سياسي والتأكيد على الموقف المبدئي أن تحقيق السلام يكون من خلال حل الدولتين، قائلة إن “الشرق الأوسط لم يشهد منذ سنوات طويلة وحدة حال واصطفاف حول السعودية”.

وتعتقد أن تصريحات نتنياهو التي تأتي استكمالا لما طرحه ترامب بشأن تهجير أهل غزة تحت ذريعة إعادة الإعمار، أحدثت ردة فعل عكسية بكسر حاجز الخوف والترهيب الذي اعتمده الرئيس الأميركي منذ أن دخل البيت الأبيض، وكذلك خلق وحدة عربية وإسلامية ضد نهج نتنياهو، وهو ما يبعد إمكانية التطبيع على غرار “اتفاقيات أبراهام”.

تصريحات كل من نتنياهو وترامب بشأن تهجير سكان غزة لا تخدم إسرائيل بحسب رأي محللين إسرائيليين (الأناضول)

مسار التطبيع

الطرح ذاته استعرضته محررة الشؤون السياسية في الموقع الإلكتروني “زمان يسرائيل” تال شنايدر التي أكدت أن نتنياهو يغضب السعوديين بتصريحات لا أساس لها عن فلسطين، ويظهر الغطرسة عندما يطرح مقترحات غير واقعية ومن نسج الخيال، مثل إقامة دولة فلسطينية في السعودية، وأثار بالفعل غضب العالم العربي، ودفع مسار التطبيع بعيدا بدلا من دفعه إلى الأمام.

وقالت محررة الشؤون السياسية إن “نتنياهو يدلي بتصريحات غير مسؤولة وغير قابلة للتنفيذ، بل وعارية عن الصحة، فهو يعلم بنفسه أن هذا لن يحدث أبدا، ولن يتم إنشاء دولة فلسطينية أو حكم ذاتي على الأراضي السعودية”.

وأوضحت أن نتنياهو بمثل هذه التصريحات يمس بكرامة ومكانة السعودية كدولة إقليمية مهمة، كما أنه يعطي انطباعا باستخفاف إسرائيل بالدول العربية، وهو الأسلوب الذي لا يدفع التطبيع إلى الأمام فحسب، بل من شأنه المساس باتفاقيات السلام المبرمة بين تل أبيب ودول عربية وإسلامية.

مكانة السعودية

وتحت عنوان “السعودية تسد الفراغ الذي تركته إيران في المنطقة”، أصدر الباحث بالشؤون الأمنية في معهد “مشغاف” للأمن القومي والإستراتيجية الصهيونية إيلي كلوتشتين، تحليلا تناول من خلاله عودة السعودية إلى مكانتها ودورها الإقليمي في الشرق الأوسط، مقابل تطلع إسرائيل إلى التطبيع دون أن تدفع أثمانا سياسية، وخاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية.

وأوضح الباحث بالشؤون الأمنية أن أصغر مسؤول بإسرائيل يعي جيدا أن ترامب يبدي اهتماما كبيرا بتعزيز مكانة السعودية الإقليمية، ويريد على وجه الخصوص إعادة التفاوض على اتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب، وبالتالي فإن مثل هذه التصريحات الصادرة عن نتنياهو لا تخدم أهداف البيت الأبيض، وهي ليست في صالح إسرائيل.

فمن وجهة نظر الإدارة الجديدة في البيت الأبيض، يقول الباحث الإسرائيلي إن “اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية من شأنه أن يجلب حلولا لبعض المشاكل الملحة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والحرب في غزة، بل ولربما أكثر من ذلك، لكن مثل هذه التصريحات من إسرائيل تبقي على تعقيدات المشهد”.

أزمة إسرائيل

ووصف المحلل السياسي في الموقع الإلكتروني “كيكار هشبات” يسرائيل غرادفيهل تصريحات نتنياهو حول السعودية والدولة الفلسطينية، بـ”الخطأ الإستراتيجي”.

وأشار إلى أن هذه التصريحات التي أدلى بها نتنياهو بأسلوب الضحك والسخرية من شأنها أن تعمق أزمة إسرائيل الدبلوماسية بالإقليم، وكذلك تعاظم ردود الفعل الغاضبة بالعالم العربي ضد الإسرائيليين، وتعزز الالتفاف والدعم للفلسطينيين.

ويعتقد أنه كان الأجدر بنتنياهو عدم إطلاق مثل هذه التصريحات التي تغضب العالم العربي، وتمس بكرامة أكبر دولة إسلامية بالشرق الأوسط، قائلا إن “أي تعزيز إقليمي للسعودية هو في الوقت الراهن أفضل بعشرات المرات من دخول عوامل أخرى إلى الساحة”.

وأوضح أن ترامب حاول أن يملي على السعودية مسبقا نتائج المفاوضات بشأن التطبيع مع إسرائيل، وسارع إلى التصريح بأن السعودية لا تطالب بإقامة دولة للفلسطينيين كشرط للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، وهو ما فندته الرياض.

ولفت إلى أن السعودية أكدت على رفضها لتهجير الغزيين واشتراطها التطبيع بإقامة دولة فلسطينية، وهو الموقف الذي تتبناه الدول العربية والإسلامية.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.