القدس المحتلة- أجمع محللون وباحثون بالشأن الإسرائيلي على أن قرار رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، باستئناف الحرب على قطاع غزة، اتخذ بالتنسيق مع الإدارة الأميركية، ويهدف إلى ممارسة الضغوط على حركة  المقاومة الإسلامية (حماس) لقبول شروط تل أبيب وواشنطن في مفاوضات صفقة التبادل، والقضاء على حماس سياسيا وعسكريا، وممارسة ضغوط على جماعة الحوثيين وإيران.

وتوافقت القراءات فيما بينها بأن استئناف القتال لن يحقق الأهداف المعلنة للحرب بالقضاء على حماس وإعادة الأسرى دون صفقة، وأجمعوا على أن ذلك محاولة من نتنياهو لتصدير أزماته الداخلية والصراع مع رئيس “الشاباك” رونين بار، خصوصا أن العودة إلى الحرب وحالة الفوضى تخدم مصالح نتنياهو السياسية والشخصية بالبقاء على كرسي رئاسة الوزراء.

ووفقا لقراءات المحللين فإن تصريحات القيادة العسكرية والأمنية الجديدة سواء بالاستخبارات العسكرية أو القيادة العسكرية بالمنطقة الجنوبية، تتماهى مع أقوال نتنياهو بشأن أهداف الحرب خاصة القضاء على قدرات حماس العسكرية، مع الإبقاء على ملف المختطفين الإسرائيليين أولوية ثانوية.

وتتوافق تقديرات المحللين والباحثين بأن استئناف الحرب وكافة أوراق الضغط الأخرى التي مورست على حماس من قبل تل أبيب وإدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تهدف إلى تقديم الحركة تنازلات لما يتطلع إليه نتنياهو ليعلن عن “النصر المطلق” ونزع سلاح المقاومة.

لكن أجمعت القراءات على أن هذا الأمر الذي لن يتحقق، لأن السلاح سيبقى بأيدي حماس والفصائل الفلسطينية التي لن تتنازل عنه حتى يتحرر الشعب الفلسطيني من الاحتلال الإسرائيلي.

غارات إسرائيلية على عدد من المواقع في قطاع غزة (الفرنسية)

ضوء أخضر أميركي

ويعتقد الباحث بالشأن الإسرائيلي أنطوان شلحت، أن عودة إسرائيل للحرب كانت متوقعة، حيث تحدث نتنياهو طوال الوقت عن استئناف القتال، وبذلك كان يمهد الأجواء لذلك، ولعل أحد الأجواء هو التأييد الأميركي، حيث أعطت واشنطن الضوء الأخضر لإسرائيل للعودة للحرب من أجل ممارسة المزيد من الضغوط على حماس وابتزازها بالمفاوضات.

واستعرض شلحت للجزيرة نت الأجواء التي سادت بإسرائيل ومهد إليها نتنياهو من أجل العودة للحرب دون معارضة داخلية، سواء من خلال تغيير المناصب والوظائف العسكرية “وأبرزها تعيين إيال زامير المقرب من نتنياهو رئيسا للأركان، بينما وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، هو دمية، وينفذ ما يأمر به رئيس الوزراء”.

ولفت إلى أنه بالسابق كان هناك تعويل على المؤسسة العسكرية وما تبديه من ملاحظات أو حتى تحفظات على سير العلميات العسكرية والدفع نحو إتمام صفقة التبادل، لكن بهذه المرحلة وبعد التغييرات الوظيفية، يقول شلحت: “لا يوجد مؤسسة أمنية تعترض، بل تتماهى مع المستوى السياسي، ورئيس الأركان الجديد ينفذ أوامر نتنياهو، أي لا خلافات ولا عقبات خلال القتال”.

وإمعانا في إزاحة العراقيل والعقبات من أمام الحكومة، يرى شلحت أن العودة إلى القتال يخدم مصالح نتنياهو السياسية والشخصية، بحيث إن الحرب تقوي حكومته، حيث أعلن رئيس “عظمة يهودية”، إيتمار بن غفير، العودة إلى الائتلاف، كما أن رئيس “الصهيونية الدينية”، اشترط البقاء بالحكومة بعدم التوجه للمرحلة الثانية من اتفاق غزة والعودة إلى القتال.

صلاة الجنازة على عدد من الشهداء في غزة (الفرنسية)

تشكيك بأهداف الحرب

وتعليقا على الطرح الذي يقول إن العودة للقتال يشكل ورقة ضغط لفرض شروط على حماس في المفاوضات، يقول شلحت: “للتوضيح تجمع التحليلات العسكرية للإسرائيليين على أنه لا يوجد أي مبرر للعودة إلى الحرب، وتتفق فيما بينها على أن نتنياهو هو من انتهك اتفاق وقف إطلاق النار وأن حماس التزمت بكل بنوده، وبالتالي العودة للقتال من أجل الضغط لقبول إملاءات واشنطن وتل أبيب”.

ويرى الباحث بالشأن الإسرائيلي أن الحرب التي تأخذ مناحي وأبعادا مختلفة هي ورقة ضغط على حماس ومختلف الفصائل الفلسطينية التي تقدر التقارير العسكرية الإسرائيلية أنها تستغل الهدنة للجهوزية لجولة قتالية جديدة.

ويوضح أن “استئناف القتال يشكل فرصة لتيار اليمين المتطرف لتجديد خطة تهجير الفلسطينيين وإعادة الاستيطان بالقطاع”، لكنه استبعد أن تتمكن تل أبيب من تنفيذ ذلك، رغم الدعم الأميركي.

ويعتقد شلحت أن التصعيد في غزة يأتي في سياق القصف في جنوب لبنان والتوغل في سوريا والقصف الأميركي على الحوثيين، قائلا إن “إسرائيل تستغل الدعم الأميركي من أجل تقويض حماس عسكريا والقضاء على المقاومة في لبنان ومنع الأسلحة عنها، وذلك تحت غطاء استئناف القتال وليس الشروع بحرب شاملة”.

ولفت إلى أن إسرائيل، ومن خلال التنسيق مع أميركا، تسعى لاستغلال التغييرات باستئناف القتال وبحرب تتحكم بإشعالها وإخمادها، من أجل إقامة مخططاتها العسكرية بإقامة مناطق أمنية وعسكرية في جنوب لبنان وجنوب سوريا، وكذلك حزام أمني مع قطاع غزة، وذلك بموجب العقيدة الأمنية المتجددة أنه لا يمكن الاعتماد إلا على الجيش الإسرائيلي.

المحلل السياسي والباحث في "مركز التقدم العربي للسياسات"، أمير مخول: نتنياهو يخوض حربا بمعارضة شعبية واسعة تعمق الانقسام الداخلي ويجعلها حربا خاسرة إستراتيجيا.
أمير مخول: نتنياهو يخوض حربا بمعارضة شعبية واسعة تعمق الانقسام الداخلي (الجزيرة)

التهرب من استحقاقات الصفقة

ويرى المحلل السياسي والباحث في “مركز التقدم العربي للسياسات”، أمير مخول، أن استئناف القتال في غزة يندرج في سياق “الحرب الوجودية” بالنسبة لنتنياهو ومستقبله السياسي والبقاء على كرسي رئاسة الوزراء، مشيرا إلى أن نتنياهو الذي وصل إلى أفق مسدود يتصرف وفق مبدا “أنا الدولة والدولة أنا”.

لكن، وفقا للمعطيات الحالية فإن نتنياهو، يقول المحلل السياسي: “لا يستطيع التهرب من استحقاقات الصفقة بمراحلها المتقدمة، ولا يبدو بأن خياراته ستتسع بل ستضيق، فالعودة إلى القتال لن يحقق هدف الحرب المعلن وهو إعادة المختطفين الإسرائيليين بل تجعل عودتهم غير ممكنة”.

ولفت مخول للجزيرة نت إلى أن العودة للقتال تأتي في سياق القفز على الأزمات الداخلية التي افتعلها نتنياهو وأبرزها إقالة رئيس “الشاباك”، رونين بار، وإعفاء يهود الحريديم من الخدمة العسكرية، وكذلك مشروع الموازنة العامة، وعليه اختار نتنياهو الهروب إلى الأمام باستئناف القتال تحت ذريعة السعي إلى تحقيق كامل أهداف الحرب على غزة.

رئيس الأركان إيال زمير ورئيس الشاباك رونين بار في غرفة عمليات سلاح الجو خلال الغارات على قطاع غزة (تصوير المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي التي عممها للاستعمال الحر لوسائل الإعلام))
رئيس الأركان إيال زامير ورئيس الشاباك رونين بار في غرفة عمليات سلاح الجو (وكالات)

تفكيك وحدة الساحات

وأوضح أن الحرب على غزة لم تتوقف منذ عام ونصف العام، “وتأخذ مناحي وأساليب متعددة ومختلفة، وقد يكون تكثيف الإبادة المتجدد لها، محاولة جس نبض إسرائيلي لمدى قابلية مشروع التهجير الذي تراجع عنه ترامب كلاميا”.

ومع العودة إلى الحرب، يرى مخول أن نتنياهو سيكون في حالة إرباك أكبر، حيث يخوض حربا بمعارضة شعبية واسعة تعمق الانقسام الداخلي بشكل كبير ويجعلها حربا خاسرة إستراتيجيا وبإخفاق أكبر ويعزز المطالبة بلجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي قراءة للضربات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في لبنان وسوريا التي تزامنت مع استئناف الحرب على غزة، يقول مخول: “هي إمعان في تفكيك إستراتيجية وحدة الساحات وجبهات الإسناد، كما أن التصريح الذي رشح عن إدارة ترامب بأنها على علم مسبق، هو تأكيد على أن الغارات الأميركية البريطانية على اليمن كانت تمهيدا لها”.

وأوضح مخول أن التصريح الأميركي بأن ترامب يريدها ضربة سريعة يؤكد أن واشنطن لا مصلحة لها في تصعيد الحرب على غزة ولا إشعال حرب شاملة بالشرق الأوسط، “ليس من باب صنع السلام، ولكن حرصا على مصالحها وأولوياتها إقليميا ودوليا”.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.