تتواصل موجة العنف في ولاية الجزيرة بوسط السودان، حيث يقف المواطنون أمام أزمات تفوق قدرتهم على التحمل بسبب الهجمات التي تقودها قوات الدعم السريع. هذه العمليات العسكرية التي استهدفت عشرات القرى أسفرت عن مقتل وجرح المئات، وأجبرت الآلاف على النزوح من منازلهم. يشير الناشط عمر البدر إلى أن الضحايا فاق عددهم 300 منذ بداية الحملة الانتقامية، والتي طالت 6 مدن و58 قرية منذ 21 أكتوبر الجاري. بالإضافة إلى القتلى والجرحى، سجلت حالات اختطاف وتنكيل بالمدنيين، مما يبرز حجم المعاناة التي يتعرض لها السكان في المنطقة.

وفي اعتراف رسمي، حملت قوات الدعم السريع قائد الجيش عبد الفتاح البرهان المسؤولية عما يحدث في الولاية، مبررة هذه الهجمات بأنها رد فعل على تسليح المدنيين من قبله. حسب البيان، فإن القوات تشتبك مع عناصر من المقاومة الشعبية التي دربها الجيش، مما زاد من حدة التوترات. هذه التصريحات تعكس الصراع العسكري القائم في البلاد، الذي يشير إلى انقسام حاد في التعامل مع الأزمات، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.

يتجه المحللون إلى التحليل الاستراتيجي للتوجهات العسكرية للأطراف المتحاربة، حيث اعتبرت خطة الدعم السريع بمثابة تغيير في استراتيجياتها للسيطرة. الباحث أسامة عيدروس يصف كيف انتقلت عمليات الدعم السريع من إقليم الخرطوم إلى توسعات أوسع باتجاه إقليم دارفور وكردفان، مما يطرح احتمالية زعزعة الاستقرار في مناطق جديدة. وبالتوازي مع هذه التطورات، تسعى القوات إلى استخدام جبل موية كقاعدة انطلاق لتعزيز عملياتها، مما يدل على سعيها لتغيير موازين القوى على الأرض.

تُظهر التحليلات أن هناك دوافع خفية لتحركات الدعم السريع تتمثل في استهداف التلاحم بين المواطنين والجيش. العميد المتقاعد إبراهيم عقيل مادبو اعتبر أن الانتهاكات تهدف إلى خلق شعور بالخوف في نفوس المواطنين، وبالتالي التأثير على إدراكهم للقوات المسلحة. هذه الاستراتيجية تستخدم لتعزيز حالة عدم اليقين وزرع الفتنة بين المجتمع المدني والجيش، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية تعزز النزاعات الداخلية.

المهتمون بالشأن السوداني يرون أن توقيت التصعيد العسكري يرتبط بالاجتماعات العالمية والبيانات الدولية بشأن الوضع في السودان. المحلل فيصل عبد الكريم أشار إلى أن هذه العمليات تأتي كـ “رسالة” من قوات الدعم السريع للمجتمع الدولي، وتترجم لكسب التعاطف الدولي وتأليب الرأي العام ضد الجيش السوداني. إذ تبدو هذه التحركات وكأنها موجهة لتصعيد الأوضاع الإنسانية بشكل يفتح المجال لتدخلات أجنبية تحت غطاء حماية المدنيين، في وقتٍ يقترب فيه الجيش من تحقيق تقدم في الصراع.

ختاما، يبرز الوضع في ولاية الجزيرة كمرآة تعكس تعقيدات الصراع في السودان، حيث تتداخل الأبعاد العسكرية والسياسية والإنسانية بشكل خطير. وفيما تستمر عمليات الدعم السريع في توسيع نطاقها، تُعتبر الحاجة لتأمين المدنيين والتوصل لحلول سلمية أمرا ملحاً. إذ يتطلب الأمر تضافر الجهود الوطنية والدولية لإحداث تغيير جاد في مسار الأحداث، وتفادي المزيد من العنف الذي يؤثر على حياة المواطنين وتماسكهم الاجتماعي.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version