في مقالها الأخير، تناولت صحيفة لوموند تصرفات المرشح الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، دونالد ترامب، التي تشير إلى تحول واضح في موقفه من الجالية اليهودية دعمًا لإسرائيل. ويستند التحليل إلى وجهة نظر البروفيسور الفرنسي جون بيير فيليو، الذي يصف تصاعد اتهامات ترامب لمواطنيه اليهود بعدم الولاء لإسرائيل وللحزب الجمهوري. مع اقتراب الانتخابات، زادت حدة خطاب ترامب، حيث أكد أن اليهود الأميركيين ينبغي عليهم “خضوع لفحص عقلي” إذا لم يصوتوا له، مما يعكس عداء متزايدً تجاههم، على الرغم من أن أغلبهم صوتوا لصالح الديمقراطيين في 2016 و2020.
تحليل فيليو يبرز التغيرات في موقف ترامب الذي يرى أن المسيحيين يحبون إسرائيل أكثر من اليهود. ويشير إلى عمق الجذور التاريخية للصهيونية المسيحية التي ظهرت في القرن التاسع عشر، حيث كانت تعبر عن رؤية إنجيلية لأهمية دعم إسرائيل كشرط لتحقيق الخلاص. وفي هذا السياق، يسلط الضوء على بداية الحركة الإنجيلية وتأثيرها على المواقف السياسية في الولايات المتحدة، حيث تمثل رغبة في استعادة “أرض إسرائيل”، وعلاقتها بمعتقدات دينية متجذرة تفترض أن إعادة اليهود إلى فلسطين شرط أساسي لتأسيس ملكوت الله.
فيليو يستعرض أيضًا العلاقة بين الصهيونية اليهودية والصهيونية المسيحية، موضحًا أن الأولى تهدف إلى مواجهة معاداة السامية بينما الثانية تفسَّر بناءً على اعتقادات إنجيلية. ويكشف مقاله عن مفارقات السياسة الإسرائيلية التي عانت من تناقضات بين دعم المسيحيين الصهاينة واحتياجات الجالية اليهودية التي تفضل تسوية مبنية على مبدأ “الأرض مقابل السلام”. ومن هنا، يشدد فيليو على أن الجالية اليهودية تواجه ضغوطًا من الأصوليين المسيحيين الذين يرفضون أي تنازلات إقليمية.
استنادًا إلى الحقائق التاريخية، يناقش فيليو كيف استخدم نتنياهو الصهاينة المسيحيين كبديل عن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة، بل أنهم شكلوا الدعم الأساسي له على مدار فترات حكمه. ويبدو أن هذه العلاقة قد تكللت بسلسلة من الإجراءات المثيرة للجدل التي اتخذها ترامب، والتي لاقت دعمًا كبيرًا من قبل نتنياهو، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والانخراط في خطوات تقوض الشرعية الدولية، كلها تصب في إطار تعزيز الدعم الأميركي لإسرائيل.
مع مغادرة ترامب للبيت الأبيض، استمر في تعزيز خطاباته المثيرة للجدل التي تتهم اليهود بضعف الولاء، مما يعكس انحرافات خطيرة في التصور السائد للعلاقة بين الأمريكان اليهود والعالم المسيحي. وينبه فيليو إلى أن هذه الانحرافات لا يمكن أن تكون مفاجئة إذا أُخذ بعين الاعتبار العقائد الصهيونية المسيحية التي تنظر إلى اليهود كمستحقين للتهديد في نهاية الزمان. كما يستند إلى أن الأصوليين الأميركيين ينظرون بإيجابية لتنبؤات نهاية الزمان التي تجعل اليهود ضحايا لمواجهة إبادة جماعية.
في خاتمة مقاله، يحذر فيليو من أن مثل هذه المعتقدات ليست بعيدة عن الواقع، وأنها تبرز في ضوء الأحداث السياسية والاجتماعية اليوم. التهديدات القوية التي تصاحب الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، بالتزامن مع تصعيد العنف في المنطقة، تؤكد حتمية وجود تداخل خطير بين الأبعاد الدينية والسياسية. إن الصهيونية المسيحية تجعل من الترابط بين الأحداث العصرية وما تمثله من مخاطر مستقبلية رؤية مؤلمة في الوقت الراهن، مما يتطلب وعيًا شديدًا من الجميع حيال هذا التشابك المتداخل بين الإيمان والسياسة.