شهدت قمة الدول الفرنكوفونية التاسعة عشرة، التي انعقدت في قلعة كوتيريه شمال شرق باريس في أوائل أكتوبر 2023، تحركات كبيرة تهدف إلى تعزيز استخدام اللغة الفرنسية في مختلف المجالات. تأتي هذه القمة في سياق تاريخ اللغة الفرنسية، التي أقرها الملك فرانسوا الأول في عام 1539 كلغة إدارية للمملكة بدلاً من اللاتينية. تناولت القمة مواضيع حيوية، منها بطالة الشباب الفرنكوفوني والحاجة إلى دمجهم في سوق العمل، وأكدت على أهمية توطيد وجود اللغة الفرنسية في المؤسسات الدولية وفي مجالات التعليم والسياسة والتكنولوجيا الرقمية.
تم خلال القمة توسيع المنظمة الفرنكوفونية لتنضم قبرص وغانا كأعضاء جدد، فيما حصلت أنغولا وتشيلي وعدد من المناطق الفرنسية مثل نوفا سكوتيا على صفة مراقب. رغم هذه الإجراءات، أثار غياب الدعم الجاد من القمة لأزمات مثل العدوان الإسرائيلي على لبنان استياءً كبيرًا، حيث قوبل الإعلان بالتجاهل لذكر إسرائيل بشكل واضح، مما كان له تأثير سلبي على سمعة المؤتمر في نظر بعض الدول الأعضاء.
تظهر الإحصاءات أن أكثر من 60% من الناطقين بالفرنسية يتواجدون في أفريقيا، مما يعكس أهمية القارة في مستقبل اللغة. توزيع الناطقين بالفرنسية يشمل 44% في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و15% في شمال أفريقيا، و33% في أوروبا. ومع ذلك، فإن اللغة الفرنسية تواجه تحديات في دول مثل رواندا وماليزيا، حيث لم يعد استخدامها مهيمنًا في التعليم أو العمل، مما يعكس انحسار تأثيرها العالمي.
تطرق بعض المراقبين مثل جان فرانسوا ليزيه إلى ضعف فعالية القمم الفرنكوفونية، معتبرين أن المنظمة قد فقدت الكثير من قوتها. انتقد البعض إسناد قيادة المنظمة لرواندا التي تحولت إلى استخدام الإنجليزية بشكل رئيسي. كما أشار المراقبون إلى تقليص التحدث باللغة الفرنسية بين الممثلين في القمة، مما يعكس تراجع حضورها في دول كانت ذات يوم خاضعة للاستعمار الفرنسي.
عقدت القمة في ظل تدهور العلاقات الفرنسية الأفريقية، حيث غابت دول الساحل عن حضورها بعد قطع العلاقات مع فرنسا، مثل مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ويعتبر هذا الوضع صدمة تاريخية، حيث لم يظهر أي رئيس سنغالي في القمة رغم أهمية البلاد في تأسيس المنظمة. يعبر غياب الكثير من القادة الأفارقة عن انعدام الثقة في المنظمة وتوجه جديد للسياسات الخارجية السنغالية نحو الاستقلال.
وفي محاولة لتعويض هذا الانحسار، تسعى منظمة الفرنكوفونية للتوسع في دول غير ناطقة بالفرنسية، مما يعكس حاجة ماسة لتعزيز حضور اللغة في الساحة العالمية. يشير بعض النقاد إلى أن هذه المحاولات لم تساهم بتسليط الضوء على قضايا استخدام الفرنسية، وإنما حولت المنظمة إلى أداة سياسية لا يمكن أن تكون فعالة بدون معايير واضحة للعضوية. يتصاعد النقاش حول كيفية تعزيز اللغة الفرنسية في عالم يتجه نحو العولمة الإنجليزية، مما يثير تساؤلات حول مستقبلها ونفوذها في نطاق العلاقات الدولية.