تسارعت جهود إسرائيل لاستهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) منذ عام 2017 بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، لكن هذه الحملة زادت بشكل ملحوظ عقب الحرب الأخيرة على غزة في أكتوبر 2023. فقد صادقت لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا على مشروع قانون لقطع العلاقة مع أونروا، مما يهدد وجودها في المنطقة ويهدف إلى الاستيلاء على مقراتها. وفي هذا الإطار، تم الإعلان عن خطة لبناء 1440 وحدة سكنية في موقع المقر الحالي للوكالة في حي الشيخ جراح، وهو ما يعكس تصاعد الضغط الإسرائيلي لاستئصال أي وجود فلسطيني معترف به في المدينة المقدسة.
سبق هذا القرار أيضًا إجراءات متعددة اتخذتها مجموعات بالمؤسسة الإسرائيلية، حيث قام عدد من أعضاء الكنيست بطرح مشروع قانون قطع العلاقة مع الوكالة، مما سيلغي الحصانة والمزايا الضريبية الممنوحة لموظفي أونروا ويقطع صلات التواصل بين الوكالة والجهات الإسرائيلية. وبحسب التقارير، فإن الأونروا لم تتلقى ضربات تتعلق بوجودها فقط، بل كانت هناك أيضًا احتجاجات ومظاهرات نظمتها مجموعات من المستوطنين الإسرائيليين تطالب بإغلاق مقر الوكالة، مما يبرز الأجواء التوتر في القدس وعواقبها المحتملة على اللاجئين الفلسطينيين.
يقع مقر أونروا الرئيس في حي الشيخ جراح، الذي يعتبر منطقة استراتيجية تقع على خط الهدنة بين أراضي 1948 و 1967. وقد أسس هذا المقر في فترة الانتداب البريطاني، وانضم إلى أونروا في عام 1950. ومع ذلك، فإن الحديث عن الاستيلاء على المقر وبناء وحدات استيطانية في مكانه يستهدف جزءًا من سياسة إسرائيل الرامية إلى تعديل التركيبة السكانية في القدس وجعلها مدينة ذات أغلبية يهودية. يعد هذا التحرك جزءًا من استراتيجية تهدف إلى دمج الأجزاء الشرقية والغربية من المدينة بما يتماشى مع رؤية إسرائيل العاصمة الموحدة للدولة.
يرى محللون ومختصون في الشأن الفلسطيني أن هذا التحرك لا يهدف فقط إلى تحقيق أهداف ديمغرافية، بل يسعى أيضًا إلى إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين بشكل كامل. فوجود أونروا، التي توفر خدمات التعليم والصحة والعيش للعديد من اللاجئين الفلسطينيين، يمثل عاملًا رئيسيًا في استمرار هذه القضية. وعليه، فإن الضغط على أونروا إنما هو جزء من محاولة أكبر لإزاحة حق العودة من المناقشات الواقعية وتحويل التركيز إلى قضايا أخرى، وهو ما يهدد بأن تصبح المطالبة بحق اللاجئين فعالة بشكل أقل.
كما أن خطط البناء الجديدة تهدد أيضًا مراكز أخرى تتعلق بالأونروا، مثل كلية التدريب المهني في قلنديا، التي كانت تعتبر أحد المرافق الأساسية منذ إنشائها في عام 1953. حيث تخرج الكلية سنويًا مئات الطلاب الذين يتم توجيههم إلى سوق العمل وتزويدهم بمهارات حياتية وعملية. ومع غياب الدعم والمساندة، فإن الكثير من البرامج التعليمية والخدمات الطبية التي يُعتمد عليها في حياة اللاجئين قد تتأثر سلبًا، مما يزيد من تفاقم الوضع العام للاجئين في القدس.
الوضع الحالي يظهر أيضًا أن التعامل مع الأونروا من قبل حكومة الاحتلال يرافقه تصعيد في التوتر عبر دعوات لامتلاك الأراضي التي تحت إدارة الوكالة. وتعكس التعبيرات الشعبية من قبل المستوطنين الإسرائيليين، مثل وصف المقر بـ”قنبلة موقوتة”، الأجندة المعادية الأوسع التي تهدف إلى انتزاع الهوية الفلسطينية في المنطقة. إذ أن الاستمرار في تلك الاستفزازات والمظاهرات يشير إلى رغبة بعض عناصر المجتمع الإسرائيلي في إيجاد خيارات متطرفة للتصدي لوجود أونروا.
لذا، فإن الأحداث المتتالية تشير إلى مسار خطير قد يؤثر على مستقبل القدس واللاجئين الفلسطينيين. تفصل هذه الإجراءات بين الأونروا وعمليات التنسيق الطبيعي مع الكيانات الإسرائيلية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية والاجتماعية. وفي كل الأحوال، تبقى الأونروا الوكالة الوحيدة التي تتولى مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين، ومصيرها يرتبط بشكل وثيق بمستقبل القضية الفلسطينية ككل.