غزة – اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -المطلوب بتهمة ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة– للاعتراف بأنه دعّم مليشيات في قطاع غزة ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بناء على توصية من الجهات الأمنية، واصفا ذلك بالأمر الجيد لأنه ينقذ حياة جنود الجيش الإسرائيلي.

وجاء اعتراف نتنياهو في فيديو مصور قصير بثه ردا على ما كشفه رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان بأن المنظومة الأمنية الإسرائيلية -وبتوجيه مباشر من رئيس الحكومة- سلمت أسلحة سرا إلى عائلات إجرامية وعصابات في غزة، دون أن يعرض ذلك على المجلس الأمني الوزاري المصغر (الكابينت).

ورغم أن قيادة الحكومة الإسرائيلية اعتادت على إخفاء مثل هذه المعلومات وإبقائها طي الكتمان لحين تحقيق الهدف الذي ترجوه من تلك العصابات التي تعمل لصالحها، فإنها اضطرت لفضح أمرها مبكرا في إطار الاختلافات الداخلية بين نتنياهو ومعارضيه.

ويبدو أن إسرائيل تعيد السيناريو نفسه الذي استخدمته سابقا بتجنيد مجموعات مسلحة لتنفيذ أجندتها في إطار خطتها لتحضير بديل “اليوم التالي” للحرب على قطاع غزة، في وقت تضع فيه المقاومة الفلسطينية تلك العصابات على قائمة أهدافها.

حماية العصابات

تعود بداية تجنيد قوات الاحتلال لمجموعة مسلحة تعمل تحت إشرافها خلال الحرب إلى الأشهر الأخيرة من العام 2024 عندما وفرت مأوى للعصابة التي يترأسها ياسر أبو شباب في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش جنوب شرق مدينة رفح.

وتكمن أهمية المنطقة التي تتحصن فيها العصابات المسلحة بقربها من معبر رفح المغلق حاليا، ومعبر كرم أبو سالم الذي تخصصه قوات الاحتلال لإدخال البضائع والمساعدات إلى قطاع غزة، مما يمنحها فرصة للتحكم بها والسطو عليها وإعادة بيعها للمواطنين، وبالتالي استقطاب أشخاص جدد للتعاون معها.

وعززت قوات الاحتلال قوة العصابة بالأسلحة والدروع والخوذ والزي الذي ظهر به بعض عناصرها في شارع صلاح الدين شرق رفح، واعتماد ملابس خاصة تميزهم عن غيرهم من أجل تأمينهم من الجيش الإسرائيلي المنتشر في المناطق الشرقية لقطاع غزة والتي يصنفها بأنها مناطق قتال خطرة “حمراء”.

وأظهرت صور بثها الإعلام العبري ارتداء أعضاء العصابة زيا موحدا طُبع عليه الكلمة العبرية “مدريخ” التي تعني “مرشد” أو “معلّم”، في إشارة إلى دورهم المنسق والموجه ضمن منظومة الاحتلال بهدف تسهيل تمييزها من قبل جنوده خلال تنفيذ عمليات ميدانية.

وقال موقع “مفزاكي راعم” العبري إن مليشيا أبو شباب كانت مرتبطة سابقا بتنظيم الدولة الإسلامية وتجارة المخدرات، في حين نقلت قناة “كان” العبرية أن خطة تسليح العصابات في قطاع غزة جاءت بمبادرة من جهاز الأمن الداخلي (الشاباك) قبل نحو 6 أشهر.

وذكرت القناة أنه طُلب من رئيس الشاباك رونين بار تقديم أفكار حول كيفية إضعاف حماس، حيث تم الاتفاق مع رئيس الأركان هرتسي هاليفي عليها، ثم عرضاها على وزير الجيش يسرائيل كاتس الذي وافق على الخطة، ثم توجهوا إلى رئيس الوزراء الذي صادق عليها وبدأ تنفيذها.

تكرار السيناريو

الحديث عن سيناريوهات نجاح أو فشل تجنيد الاحتلال لعصابات وعملاء جدد يعيد إلى الذاكرة ما جرى في المنطقة الجنوبية الشرقية ذاتها لمحافظة رفح والتي حوّلها الاحتلال في عقود سابقة إلى ملجأ للعملاء وأسرهم الذين تعاملوا مع إسرائيل، وكان يطلق عليها اسم “الدهنية”.

ففي مطلع سبعينيات القرن الماضي، وبعد تفكيك مستوطنة “ياميت” التي كانت مقامة شمال سيناء في المناطق التي كانت تحتلها إسرائيل، فضلت عائلات ممن تعاملوا مع إسرائيل خلال فترة الاحتلال البقاء تحت الحماية الإسرائيلية، التي بدورها نقلتهم إلى قطاع غزة حيث عاشوا في تلك القرية التي اصطلح على تسميتها “قرية الجواسيس”، ليعاد نقلهم هم والعملاء الفلسطينيين من هناك بعد الانسحاب الإسرائيلي عام 2005 إلى قرية شمال النقب.

ولاحقت فصائل المقاومة الفلسطينية في سنوات الانتفاضة الأولى العملاء، سواء من خلال إطلاق النار عليهم بشكل مباشر وقتل عدد منهم، أو قمعهم بتكسير أقدامهم وأرجلهم لردعهم عن التواصل مع الاحتلال.

وفي تكرار لتعامل المقاومة نفسه مع المتعاونين مع الاحتلال، بثت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في 30 مايو/أيار الماضي فيديو لاستهداف مجموعة من “المستعربين” التابعين لجيش الاحتلال شرقي رفح بعدما كانوا يتحركون بملابس مدنية قرب الحدود ويقتحمون منازل في المنطقة.

وقال مصدر أمني حينها إن التحقيقات كشفت أن القوة الخاصة تنتمي لما وصفتها بـ”عصابة ياسر أبو شباب”، وتعمل لصالح جيش الاحتلال بهدف التمشيط ورصد تحركات المقاومين والاستيلاء على المساعدات الإنسانية في رفح.

يُذكر أن القناة الـ12 العبرية نقلت عن مصدر أمني إسرائيلي قوله إن “المليشيا في رفح هي بمثابة قائد ميداني في الجيش الإسرائيلي، وأنقذت أرواح العديد من الجنود، وإنها إذا نجحت فستُشكل بديلا حقيقيا لحماس وتُقرّب نهاية التنظيم، ويجب تقديم كل الدعم لها لأنها تضحي بنفسها وأفراد عائلاتها من أجل ضمان سلامة الجنود”.

ياسر أبو شباب وعدد من أفراد عصابته كانوا قيد الاعتقال لدى الأجهزة الأمنية قبل اندلاع الحرب (مواقع التواصل)

قوة احتلال

كشف مصدر قيادي في أمن المقاومة الفلسطينية عن وضعها رئيس العصابة ياسر أبو شباب المتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي والمختبئ في أماكن وجود الجيش الإسرائيلي على قائمة المطلوبين لها، وتكثف معلوماتها الاستخبارية وجهودها الميدانية للوصول إليه.

وأكد المصدر -في حديث خاص للجزيرة نت- أن أبو شباب وعددا من عصابته كانوا قيد الاعتقال لدى الأجهزة الأمنية قبل اندلاع الحرب بسبب تورطهم في جرائم قتل وقضايا تهريب وتجارة بالمخدرات، وأنه جارٍ رصدهم والتعامل الميداني معهم بكل الوسائل، مهددا كل من يتستر عليهم بالمصير نفسه.

وعلمت الجزيرة نت من مصادر أمنية أن الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، وفي إطار حملتها المركزة على عصابة أبو شباب، ألقت القبض على “ع.ن” الذي يبلغ من العمر 35 عاما، وهو من سكان وسط القطاع وكان معتقلا لدى الأجهزة الأمنية قبل الحرب بسبب قتله شرطيا أثناء محاولة اعتقاله، ولديه سجل جنائي مليء بالسرقات والتواصل مع الجهات المعادية.

وبحسب المصادر الأمنية، فإن المتهم ممن يشرفون على سرقة المساعدات، ومكلف من عصابة أبو شباب بجمع الأشخاص أصحاب السوابق الجنائية للعمل معهم.

الأبعاد والدلالات

يعتقد الباحث في الشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة أن إسرائيل تسعى لخلق قوة فلسطينية مسلحة محلية، تلعب دور الوكيل الأمني أو ذراعها الميدانية تماما كما فعلت في جنوبي لبنان في عهد جيش أنطوان لحد، وكما حاولت في الضفة الغربية عبر الروابط القروية في ثمانينيات القرن الماضي.

وقال أبو زبيدة للجزيرة نت إن تسليح قوات الاحتلال المنظم لبعض العصابات المحلية يهدف إلى تفجير صراعات داخلية بينها وبين المقاومة الفلسطينية، مما يستنزف طاقات المقاومة ويضرب حاضنتها الشعبية.

وأوضح أن أجهزة الاحتلال الأمنية تعمل على اصطياد أفراد من ذوي السوابق أو المهمشين أو الطامحين في النفوذ، كما هو حال ياسر أبو شباب، عبر الإغراء بالمال والزعامة المحلية، ثم تسليحهم وتكليفهم بمهام استخباراتية وأمنية، مما يعكس تغيّرا في نمط العمل الاستخباري الإسرائيلي نحو أساليب أكثر عشوائية ولكن عالية الخطورة.

وشدد الباحث في الشأن الأمني على أن إسرائيل تراهن على فشل حماس في ضبط الأمن، وتسعى لتقديم مليشياتها كبديل أمني في مناطق الاحتلال، خاصة عند مراكز المساعدات، لتصويرها كمصدر حماية وتنظيم.

وأضاف أبو زبيدة أن “هناك تقاطعا واضحا بين ظاهرة قطّاع الطرق والمليشيات بما يوحي بإدارة استخبارية محكمة وراء الفلتان المقصود، وإعادة نشر الفوضى كسلاح استخباري لضرب أي سلطة ميدانية للمقاومة”.

ويرى أبو زبيدة أن الرد على المشروع الذي وصفه بالخطير يجب أن يكون من خلال تفكيك البنية الحاضنة لهذه المليشيات، وفضح المنتفعين منها إعلاميا، واعتبارها رأس حربة في الحرب النفسية والاجتماعية ضد الشعب والمقاومة.

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.