في تحول استراتيجي ملحوظ، انتقلت إيران من المواجهة غير المباشرة مع الكيان الإسرائيلي إلى التصعيد المباشر من خلال استهداف العمق الإسرائيلي مرتين في العام الجاري، مما فتح نقاشات حول الإنجازات التي حققتها طهران من خلال هذه الخطوات. لطالما كانت إيران تعتمد على “الصبر الاستراتيجي” في مواجهاتها مع إسرائيل، إلا أن الهجوم على قنصليتها في دمشق في أبريل 2024 شكل نقطة تحول حاسمة، إذ اعتبرته تعديًا على سيادتها. رداً على ذلك، أطلقت إيران عملية “الوعد الصادق” التي أظهرت تصميمها على رسم حدود جديدة للردع.
تواصلت الأحداث بعد أن تم اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، كخلفية لصعود التصعيد بين إيران وإسرائيل. وبعد شهرين، جاء اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، ليزيد من تعقيد الموقف. رداً على هذه العمليات، شنت إيران عملية جديدة في بداية أكتوبر 2024 لاستهداف المنشآت العسكرية الإسرائيلية، مما جعل إسرائيل تعيد التفكير في استراتيجيتها تجاه طهران وتحذر من رد قوي من الجانب الإيراني.
يرى بعض المحللين، مثل شعيب بهمن، أن إيران لم تتجه نحو المواجهة الاستراتيجية بلا جدوى، بل اتخذت هذه الخطوات بناءً على رغبتها في وضع حد لتجاوزات إسرائيل. يعتبر بهمن أن الاعتداءات الإسرائيلية جاءت نتيجة خطأ في الحسابات، حيث اعتقدت تل أبيب أن عدم رد إيران يعكس ضعفًا. ولكنه أشار إلى أن صواريخ إيران كشفت زيف الأسطورة الإسرائيلية حول قدرات الجيش الذي لا يُقهر.
سياسياً، تعتبر طهران أن لها مكاسب عديدة من خلال المواجهة المباشرة مع إسرائيل، إذ نجحت في تحييد الدعم الأمريكي والغربي للصهاينة، وتبني قضايا عدم مشروعية الاعتداءات الإسرائيلية في الأوساط الدولية. كما تمكنت إيران من رسم حدود جديدة تتعلق بالأهداف الحيوية مثل المنشآت النووية. يعكس ذلك قوة دبلوماسية طهران في تعزيز موقفها وتحسين صورتها أمام الرأي العام المحلي والإقليمي.
على الصعيد العسكري، تؤكد إيران على نجاحها في إظهار عجز الأنظمة الإسرائيلية ومنظوماتها الدفاعية مثل القبة الحديدية أمام الهجمات الإيرانية. وفي حديث محلي، يرى مجيد زواري أن الهجمات الصاروخية الإيرانية ألقت بظلال من الشك على موثوقية الدفاعات الإسرائيلية، مما أعاد تشكيل معادلة القوة في المنطقة. تشير تلك الهجمات إلى نجاح إيران في تهديد أمن الكيان الإسرائيلي بطريقة جديدة، كسر حدوده العسكرية.
في النهاية، يبدو أن إيران تحاول تعزيز قدراتها الدفاعية وحماية مصالحها الإقليمية دون التورط في حرب شاملة، مع التزامها بالرد الحاسم على أي اعتداء يؤثر على سيادتها. بل إن الموقف السريع من طهران يشير إلى أن لديها خيارات استراتيجية يمكن أن تكشف عنها لاحقًا، مدعومةً بفهم عميق لتعقيدات الصراع الإقليمي والدولي الذي تواجهه.