مراسلو الجزيرة نت
الخرطوم- أثارت الانتقادات التي صوّبها رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان لحزب المؤتمر الوطني وتحذيره له أمس من العودة للحكم “على أشلاء السودانيين” ردود فعل واسعة في الأوساط السياسية السودانية، التي لم تستبعد احتمالات المواجهة والصدام بين البرهان والإسلاميين الذين يقاتلون الآن مع الجيش في خندق واحد ضد قوات الدعم السريع.
وتناقلت المراصد الصحفية تصريحات البرهان التي أدلى بها في ختام مشاورات القوى السياسية الوطنية والمجتمعية حول خارطة الطريق للحوار السوداني-السوداني وسط دهشة البعض من مهاجمته حزب ظلت عضويته -برأي مراقبين- تمثل الإسناد الأقوى للجيش السوداني في حربه ضد الدعم السريع منذ 15 أبريل/نيسان 2023.
وأدى حديث البرهان الذي جاء بنبرة متصالحة تجاه القوى السياسية المتحالفة مع قوات الدعم السريع، ونبرة متشددة تجاه من يقاتلون بجانب الجيش، لحالة إرباك في الساحة السياسية السودانية، حيث رأى البعض أنه يهاجم إٍسلاميي المؤتمر الوطني في العلن ويتحالف معهم في الخفاء، بينما رأى محللون سياسيون أن هناك حسابات قديمة ومعركة مؤجلة ستظهر في حال فشلت محاولات احتوائها من قبل أحد الطرفين.
موقف مساند
من جهته، قال حزب المؤتمر الوطني في بيان صحفي ردا على اتهام البرهان لقادته بـ”التشبث بالحكم مقابل دماء الشعب السوداني” إن “هذا الأمر يكذبه التاريخ القريب”، وذكر أنه “في التغيير الذي جرى في أبريل/نيسان 2019 حينما قررت قيادة الحزب التنحي السلمي عن السلطة، كان لقيادة الحزب وقتها عشرات الخيارات التي تبقيها في السلطة، ولكنها تؤدي لإراقة دماء بنات وأبناء الشعب السوداني”.
وتابع البيان أنه “رغم تعرض قياداتها للتنكيل والسجن لسنين في المعتقلات، ونزع الممتلكات والتعرض لأبشع أنواع الظلم، كان موقفها واضحا وهو احترام سيادة الدولة الوطنية، والاتجاه للمعارضة السلمية المساندة ونبذ العنف، لأنها تعلم بخبرتها الطويلة في إدارة البلاد ماذا يعني الانجرار نحو الفوضى”.
وأشار الحزب إلى أنه “رغم الظلم والعنت الذي وجده قادته” حسب وصفه، إلا أنه أعلن موقفه صراحة بالوقوف إلى جانب الجيش الوطني، وعمم الحزب على أعضائه في البلاد بضرورة “التصدي لمخطط الحرب الرامي إلى ابتلاع الدولة السودانية”، وأضاف أنه “رفد أبناء وبنات الحزب بالمعسكرات، واستنفر عشرات الآلاف من الشباب ليذودوا عن حمى الوطن دون منٍّ ولا أذى”.
وفي إشارة رمزية لحرصه على تفادي المواجهة مع البرهان، جاء في بيان الوطني “إننا نثمن عاليا مواقف السيد القائد العام للقوات المسلحة وجهاده في الحرب القائمة، ونقدر قيادته للقوات المسلحة، ونربأ به من مهاجمة المؤتمر الوطني في كل سانحة تسنح له، تقربا وتزلفا لقوى متهالكة هشة لا تملك في جعبتها سوى صكوك الولاء لقوى الشر، التي تحارب الوطن ولن يجد منها سوى الغدر والخيانة”.
احتمالات الصدام
وقال رئيس حزب المؤتمر الوطني المفوض أحمد محمد هارون للجزيرة نت إن “الوطن لدينا مقدم على المصلحة الحزبية، وهو أغلى من أن نقايضه بمغنم أو نطلب منه ثمنا، وعهدنا ألا نعود إلى الحكم إلا عبر تفويض انتخابي حُر”.
كما شدد على المحافظة على وحدة الصف الوطني، واعتبرها مهمة حيوية لمعركة الوطن الوجودية، مشيرا إلى أن المعركة لم تنته بعد، “مما يتطلب توفير وتضافر كل الجهود لمعركة الكرامة، بعيدا عن الخلاف والشقاق، والبحث عن المكاسب السياسية التي ستضر بالمعركة” حسب وصفه.
وفي وقت رجح فيه مراقبون فرضية المواجهة والصدام بين البرهان والإٍسلاميين في المؤتمر الوطني، استبعد هارون هذه الفرضية، وقال إنهم في الحزب يشدون من أزر السيد القائد العام للقوات المسلحة بصفته الرمزية والاعتبارية، ويرون أنه “لا سبيل لتحقيق النصر الحاسم على مشروع مليشيا الدعم السريع إلا بالالتفاف حول القوات المسلحة السودانية بهيكلها وتراتبيتها الإدارية المعروفة”.
محددات
وصف القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي خالد الفحل لقاء القائد العام للقوات المسلحة البرهان القوى السياسية والمجتمعية بأنه “خطوة في الاتجاه الصحيح لإعادة هندسة المشهد سياسيا، وتأطير موقف القوى الوطنية الداعمة للحكومة والقوات المسلحة للاضطلاع بدورها الوطني بدعم الدولة سياسيا، واستكمال مشروع الحوار السوداني السوداني، ومناقشة كل القضايا وتصميم مشروع وطني متكامل يمهد الطريق إلى عملية التحول الديمقراطي وصولا إلى الانتخابات”.
وأوضح للجزيرة نت أن حديث البرهان عن المؤتمر الوطني قطع الطريق أمام عودتهم للسلطة، وطالبهم بالاستعداد للمنافسة في الانتخابات، مشيرا إلى أن هذا ما ينطبق على القوى السياسية الأخرى أيضا، حيث إن الفترة الانتقالية سوف تتشكل من حكومة كفاءات وطنية مستقلة.
وأكد الفحل الذي كان حاضرا في لقاء البرهان مع القوى السياسية والمجتمعية بمدينة بورتسودان، أن رئيس مجلس السيادة لم يأتِ على ذكر أي حديث عن العزل السياسي أو الإقصاء أو حل حزب المؤتمر الوطني، ولم يغلق الباب على أي جهات تقاتل مع الجيش، “لأن هذا واجبهم تجاه بلادهم” حسب وصفه، ولكن بشرط إبعاد اللافتات الحزبية، والتزاما بشعار “جيش واحد شعب واحد”.
لا جديد
قال الكاتب الصحفي والمحلل السياسي ضياء الدين بلال للجزيرة نت إن “هناك مصلحة مشتركة تجمع بين قيادة الجيش والإسلاميين وقطاعات واسعة من السودانيين، تتمثل في التصدي لمشروع مليشيا الدعم السريع الذي يستهدف الجميع، بوصفهم جزءا من السودان الحديث الذي تبلور عقب الاستقلال عام 1956، وتسعى المليشيا إلى تفكيكه عبر عدوانها المسلح على الدولة”.
وأشار إلى أن حديث البرهان عن الإسلاميين أمس “لم يحمل جديدا، بل جاء تكرارا لمواقف سابقة أعلنها هو والإسلاميون مرارا في أكثر من مناسبة، أن مشاركة شبابهم في حرب رد العدوان على الدولة السودانية واجب وطني، لا ينتظرون عليه جزاءً ولا شكورا”.
وأفاد ضياء الدين بأنه إذا كانت هناك ثمة مأخذ على خطاب البرهان عن الإسلاميين فهو في توقيته ونبرته، وأضاف أن بيان رئيس حزب المؤتمر الوطني مولانا أحمد هارون، جاء ليؤكد هذا الموقف لكن بلهجة متزنة.
وكشف أن خطاب البرهان شكّل إعلانا رسميا برفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطني، مما يمهّد لعودته إلى الساحة السياسية عبر الانتخابات، كما أنه قطع الطريق أمام طموحات قوى الحرية والتغيير (سابقا) و”تقدم” (حاليا) في فرض سيطرتها على الفترة الانتقالية، وتشكيلها وفقا لمصالحها الحزبية الضيقة.