نشرت صحيفة لوموند مقالاً يسلط الضوء على الانحدار “غير الليبرالي” في تونس، مشيرةً إلى أنه يمثل انتكاسة كبيرة نحو الاستبداد الذي يهدد الإنجازات الديمقراطية التي حققتها البلاد بعد ثورة 2011. كما اعتبرت الانتخابات الرئاسية المرتقبة بأنها مرحلة جديدة في محاولة الرئيس قيس سعيد لتعزيز سلطته الشخصية. يناقش المقال التغيرات الدستورية والقانونية التي قام بها سعيد وفقاً لأجندته الخاصة، بما في ذلك تعديل قانون الانتخابات بشكل مفاجئ لإضعاف دور القضاء الإداري في النزاعات الانتخابية، مما يزيد من قلق المراقبين بشأن سلامة العملية الديمقراطية.
تتساءل الصحيفة عما إذا كان سعيد يشعر بخطورة موقفه الانتخابي، مما اضطره لاستخدام هذا النوع من السلطة الجديدة، معبرةً عن قلقها من تصرفاته التي تهدف لتفريغ الساحة من أي منافسين فعليين لديه. الانتخابات القادمة، وفقاً لتوقعاتها، تجرى في أجواء غير صحية، حيث لن يكون هناك سوى مرشحين يفتقر أحدهما إلى الأهلية بعد الحكم عليه بالسجن لمدد طويلة بتهمة تزوير. وفي هذا السياق، يُعتبر المشهد السياسي في تونس بمثابة حقل من الدمار، حيث تشير التقارير إلى احتجاز حوالي 170 ناشطاً من المعارضة وتضييق الخناق على حرية التعبير ووسائل الإعلام.
تصف الصحيفة كيف أن الرئيس سعيد، الذي كان محل تأييد الجماهير كمنقذ إلهي، قبل أن يتحول إلى مستبد، لم يكترث بمسؤولياته تجاه الديمقراطية التمثيلية. كانت ردود فعله على مشكلات المرحلة الانتقالية، مثل الفساد والأمن والتدهور الاقتصادي، قد أعمى المجتمع التونسي عن رؤية نواياه الحقيقية. وقد أثر هذا التحول سلباً على الهوية السياسية للشعب التونسي الذي عُرف بفرحه بأمل “الربيع العربي”، وبدلاً من الإصلاحات أصبح يعاني من استبداد جديد.
على الرغم من القلق الذي يشعر به البعض تجاه ممارسات سعيد، تبدو فرنسا وأوروبا غير مباليتين بهذا التراجع الديمقراطي. تتجاهل الحكومات الأوروبية، بموجب سياساتها الواقعية، أزمة تونس الحالية، حيث أن أولوية بروكسل تبقى مرتبطة بعلاقاتها مع سعيد، خصوصاً بشأن قضايا الهجرة. ويبدو أن هذا التعاون قد ألقى بظلاله على أي تحذيرات أو انتقادات قد تُوجه ضد سياساته القمعية.
بشكل عام، يُظهر المقال كيف أن سعيد تمكن من الاستفادة من الدعم الأوروبي على حساب الديمقراطية في بلده. لقد أصبح نموذجاً يُحتذى به في إدارة قضايا الهجرة، مما أدى إلى فقدان الديمقراطيين التونسيين للدعم الدولي الذي كانوا في أمس الحاجة إليه. وهذا يعكس مغالطة في سياسة الاتحاد الأوروبي، التي تبحث عن الأمن ولكن على حساب المبادئ الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان.
في ختام المقال، يستنكر محررو لوموند استمرار هذه الديناميكية التي يشكل فيها سعيد محوراً لحماية المصالح الأوروبية، بينما تُداس حقوق التونسيين. تشير الصحيفة إلى خطر الانزلاق نحو الاستبداد وغياب الديمقراطية، مؤكدة ضرورة إعادة النظر في تعامل الغرب مع الأنظمة التي تمثل تهديداً لقيم الديمقراطية. ينبغي على المجتمع الدولي أن يعيد تقييم استراتيجياته ويحافظ على دعم الديمقراطيين في تونس بدلاً من تجاهل الممارسات القمعية التي تضع البلاد في قلب أزمة سياسية وإنسانية.