القدس المحتلة- تصاعدت حدة التوتر داخل الائتلاف الحكومي الإسرائيلي إثر أزمة “قانون التجنيد”، بعد فشل اللقاء الذي جمع رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي إدلشتاين مع قيادات من كتلة “يهودات هتوراه” الحريدية (الممثلة لليهود المتدينين)، والذي وصفته مصادر رفيعة داخل الكتلة بـ”الفشل الذريع”.

وعقب ذلك، تلقى رئيس الكتلة موشيه غفني تعليمات مباشرة من الزعيم الروحي لحزب “ديغل هتوراه”، الحاخام دوف لاندو، تقضي بدعم قانون حل الكنيست إذا قُدِّم الأسبوع المقبل، وذلك إذا لم يُقَر قانون يعفي طلاب المعاهد الدينية الحريدية من الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.

وتُعد هذه التعليمات تهديدا مباشرا وغير مسبوق من الأحزاب الحريدية، يكشف عن شرخ عميق داخل الائتلاف، قد يفكك الحكومة، ليس بفعل الحرب على غزة، بل بسبب ملفات داخلية مؤجلة.

وترى الأحزاب الحريدية في قانون التجنيد تهديدا لهويتهم الدينية وأسلوب حياتهم، وقد عبّرت قياداتها، خاصة غفني ورئيس حركة “شاس” أرييه درعي، عن رفض قاطع لأي صيغة تجنيد تشمل أبناء التيار الديني الحريدي.

الحريديم يقررون دعم حل الكنيست بسبب فشل تشريع قانون إعفائهم من التجنيد

تأثير فاعل

وتتمتع الأحزاب الحريدية، مثل “شاس” وكتلة “يهودات هتوراه” و”ديغل هتوراه”، بقوة سياسية لا يستهان بها داخل الكنيست، حيث تملك مجتمعة 18 مقعدا من أصل 68 مقعدا للائتلاف.

وبالنسبة للأحزاب الحريدية، فإن أي مساس بالاستثناء القائم الذي يُعفي الحريديم من الخدمة العسكرية يعد خطا أحمر، ليس فقط سياسيا، بل دينيا أيضا.

وفي ظل تصاعد الضغوط، تمارس هذه الأحزاب تأثيرا كبيرا على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة)، وتدفعه بقوة نحو تشريع قانون يرسخ الإعفاء الكامل لطلاب المدارس الدينية من التجنيد.

ووصل الضغط حد المطالبة بالمضي في هذا التشريع حتى لو تطلب الأمر تجاوز قرارات المحكمة العليا، التي سبق واعتبرت هذا الإعفاء تمييزا غير دستوري.

وتجمع قراءات المحللين الإسرائيليين على أنه في ظل اشتعال الجبهة السياسية الداخلية، يبدو أن قانون التجنيد أصبح القنبلة الأخطر داخل الائتلاف.

ويتوافق المحللون على أن الأحزاب الحريدية تربط بقاءها في الحكومة بإعفاء طلاب المعاهد من الخدمة، بينما يبقى نتنياهو محاصرا بين متطلبات شركائه اليمينيين والعلمانيين وبين ضغوط المحكمة العليا.

ومع اقتراب مواعيد حاسمة، تبقى كل السيناريوهات مفتوحة، من حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات مبكرة، إلى اتفاقات ضمنية تبقي الأزمة عالقة في انتظار ظروف سياسية أفضل لترحيلها مجددا.

جيش الاحتلال حاول تسهيل وتشجيع انضمام الحريديم المتدينين إليه، لكنهم يصرون على الرفض (الفرنسية)

بين السيناريو والواقع

تعتقد مراسلة الشؤون السياسية في القناة الـ12 الإسرائيلية، دافنا لئيل، أن تهديد الأحزاب الحريدية هذه المرة أكثر جدية من السابق، خاصة أنه لا يستند فقط إلى اعتبارات حزبية، بل يحظى أيضا بدعم مباشر من كبار الحاخامات، مما يضفي عليه ثقلا دينيا واجتماعيا إضافيا.

حتى الآن -تقول لئيل- “يحاول نتنياهو المناورة بين التيارات المتصارعة داخل ائتلافه”، بين من يطالب بتجنيد الحريديم ومن يرفض ذلك كليا، وقد أرجأ مرارا البت بالقانون تحت غطاء “الوضع الأمني” و”الوحدة الوطنية” بسبب الحرب على غزة، لكن ضغوط المحكمة العليا، التي حددت مهلة قانونية تنتهي هذا الصيف لإنهاء التمييز، تجعل التأجيل مستقبلا شبه مستحيل.

وهذا الواقع، تضيف لئيل، يدفع الساحة السياسية والحزبية في إسرائيل للتفاعل مع سيناريوهين متقابلين:

  • الأول: احتمال انسحاب الأحزاب الحريدية من الائتلاف الحكومي، مما قد يهدد استقراره.
  • بينما يدور الثاني حول بقائها ضمن الائتلاف إذا تم التوصل إلى تفاهمات.

وترى أن نتنياهو قد يواصل اتباع سياسة التسويف والمماطلة، على أمل كسب الوقت، وربما التوصل إلى صيغة وسطية أو اتفاق غير معلن، يسمح ببقاء الحكومة قائمة من جهة، ويؤجل تنفيذ القانون عمليا على الأرض من جهة أخرى.

واستعرض القراءة ذاتها مراسل صحيفة “يسرائيل هيوم” في الكنيست، أمير إيتينغر، الذي قال إنه “رغم التهديد بالانسحاب من الائتلاف، فلم تعلن الأحزاب الحريدية صراحة دعمها لحل الكنيست حتى الآن”. في المقابل، تسعى المعارضة لتسريع العملية، وقدمت مشروع قانون لحل الكنيست، من المقرر مناقشته الأسبوع المقبل.

وأوضح أن الأزمة مع الحريديم تتفاقم، وعليه يسابق نتنياهو الزمن لعقد اجتماعات مع قيادات حريدية بارزة، لاحتواء الأزمة ومنع انهيار الحكومة. وقال أحد المقربين منه “سنبذل قصارى جهدنا لتجنب الانتخابات”.

وداخل حزب الليكود، يضيف إيتينغر، “يثير موقف يولي إدلشتاين (رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست) استياء كبيرا، إذ يُتهم بأنه يدفع إسرائيل نحو انتخابات مبكرة خلال لحظة أمنية حرجة في غزة”، مما يعده “تصرفا غير مسؤول بدوافع سياسية ضيقة”. ورغم ذلك، فلا يتوقع إقالته واستبداله حاليا لتفادي تعقيد المشهد القانوني والتشريعي.

وخلص إلى أن “الأزمة مع الحريديم حقيقية، لكن لم يكتب لها الحسم بعد، فالأحزاب الحريدية، باستثناء الأدمور ماغور، تفضل التوصل إلى حل وتقدم في التشريع بدلا من الذهاب إلى انتخابات، وعليه فستكون الأيام القادمة حاسمة لمستقبل الائتلاف”.

الأحزاب الحريدية تبتز نتنياهو في تشريع قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية (الجزيرة)

نتنياهو محاصر

تحت عنوان “سنتجاوز الصيف، ثم نرى.. نتنياهو في معركة كوابح”، استعرضت المحللة السياسية موران أزولاي في “يديعوت أحرونوت” تصاعد الأزمة داخل الائتلاف حول قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية، واعتبرتها التهديد الأكبر لحكومة نتنياهو منذ تشكيلها.

ورغم أن الأزمة كانت متوقعة، فإن أزولاي تقول إن “نتنياهو وجد نفسه محاصرا بين غضب الحريديم وإصرار إدلشتاين على قانون يلزمهم بالخدمة العسكرية، مدعوما بتأييد شعبي متزايد بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، ويرى إدلشتاين في ذلك فرصة لتقليص فجوة التجنيد وربما لتصفية حساباته مع نتنياهو بعد تهميشه”.

في المقابل، يشعر الحريديم بالإحباط، معتقدين أن تمرير القانون كان أسهل في بداية الولاية، قبل انفجار التوتر السياسي والاجتماعي، وهم اليوم يواجهون شارعا معارضا بشدة وخصما مؤثرا في لجنة الأمن.

وتشير أزولاي إلى أن نتنياهو يواجه معركتين: الأولى داخلية مع الحريديم الملوّحين بالانسحاب، والثانية تقنية تتعلق بإمكانية حل الكنيست، وهي خطوة لن تبدأ فعليا قبل الأسبوع المقبل، وربما لا تبدأ أبدا.

وحيال ذلك، تقول أزولاي إن “نتنياهو يواصل إستراتيجيته المعتادة؛ كسب الوقت، مدعوما من رئيس حركة شاس، أرييه درعي، الذي لا يمانع تمرير حل الكنيست في قراءة أولى كوسيلة ضغط دون استكمال المسار التشريعي”.

لكن التساؤل المحوري -حسب أزولاي- ما الذي ينتظر الحريديم بعد حل الكنيست؟ هل يتوقعون من خصوم نتنياهو تقديم قانون إعفاء أكثر مرونة؟ أم أن الهدف هو العودة للمفاوضات مع نتنياهو نفسه، ولكن بشروط أقوى؟

شاركها.
© 2025 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version