بيروت- على أنقاض البيت الجاهز الذي اشتراه منذ أسابيع، يقف المواطن اللبناني فؤاد صالح حزينا، بعد أن أحرقته طائرات الاحتلال الإسرائيلي.
هي الوقفة عينها التي وقفها على أنقاض منزله المدمّر في بلدته يارون قضاء بنت جبيل في جنوب لبنان، والذي ذهبت معه سنوات طويلة من الذكريات، كأنه كتب عليه كما كل أبناء الجنوب العيش في دوامة حزن متواصل، بسبب ممارسات الاحتلال بحق القرى اللبنانية الحدودية مع فلسطين المحتلة.
صالح كالآلاف من أبناء الجنوب اللبناني الذين خسروا بيوتهم في الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، وجد في البيت الجاهز ملاذا آمنا وسريعا، يقيه حر الصيف وبرد الشتاء، خاصة أن هذا الخيار يتيح له العودة إلى بلدته التي نزح عنها لما يزيد على السنة، وفي ظل ضبابية المشهد حيال ملف إعادة الإعمار.
البيوت الجاهزة
يروي صالح للجزيرة نت هذه المعاناة، ويلفت إلى أنه اشترى البيت الجاهز بـ3200 دولار أميركي من ميزانيته، لكي يسكن فيه ولا يبقى بعيدا عن بلدته، وكذلك خصص جزءًا منه ليكون دكانًا صغيرا يبيع فيه بعض الأغراض للعائلات العائدة، علّه يؤمّن قوت يومه.
ويقول صالح “جهّزت دكانا صغيرا في هذا البيت الذي سكنت فيه، واستدنت مبلغا من أجل شراء البضاعة التي يمكن أن يطلبها الأهالي بعد عودتهم، كل هذا لكي لا أكون عالة على أحد، أو أن أمدّ يدي للآخرين. وفضلًا عن ذلك، كان داخل هذا المنزل الجاهز مبلغ تسلمته لأشتري أثاثًا منزليًّا، كل هذا احترق في لحظة، بعد أن قصفته مسيرة إسرائيلية، فغدا رمادًا بكل ما فيه”.
يحمد صالح الله أنه لم يكن داخل البيت الجاهز لحظة استهدافه، وإلا لكان احترق ومات داخله، ويؤكد أنه تواصل مع إحدى الجمعيات ووعدته بتأمين منزل مؤقت آخر.
ويلفت إلى أنه لا يريد الابتعاد عن بلدته مجددًا، قائلا “لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بتدمير بلدتنا ومنازلنا وكل ما هو حيوي فيها، فعمد إلى تدمير البيوت الجاهزة. رسالته واضحة، لا يريد أي مظهر للحياة في الجنوب اللبناني، ونحن لن نرحل وسنبقى في أرضنا”.

منع مظاهر الحياة
رئيس بلدية يارون علي تحفة يؤكد في حديث للجزيرة نت أن البيوت الجاهزة حل مؤقّت لحين انطلاق إعادة الإعمار، فالبيت الجاهز يوفر مأوى سريعًا للمواطنين، وهو قابل للاستخدام لفترة تمتد من 3 إلى 4 سنوات، وهذه البيوت يمكن تجهيزها في فترة قصيرة جدا، خاصة أن نسبة الدمار في يارون مثلا تتجاوز 80%، وذلك يعني أن اللجوء إلى هذا الخيار أمر مجدٍ.
يلفت تحفة إلى أن الاحتلال عمد بشكل واضح إلى استهداف عدة بيوت جاهزة في ساحة يارون، فدمر بيتا مخصصا للعمل البلدي حيث إن مبنى البلدية دُمّر خلال الحرب، كما دمر منزلا جاهزا للمهندسين، ودمّر منزلا مؤقتا وخيمتين كانت البلدية جهزتهما للأهالي العائدين إلى البلدة.
ويعلق رئيس البلدية على هذا الاعتداء بالقول “نحن نفهم أن الإسرائيليين يحاولون تدمير كل أشكال الحياة من جديد، ولن يسمحوا بإعادة الحياة بشكلها الطبيعي إلى قرى الجنوب اللبناني، وفي اليوم نفسه الذي استهدفوا فيه كفركلا وطير حرفا وراميا، نحن أيضًا تعرضنا للاستهداف. إسرائيل تسعى لإحداث الفوضى وهذا ما فعلته في غزة”.
أهمية البيوت الجاهزة
بلدة رامية الجنوبية من أكثر البلدات التي شهدت تدميرا شبه كامل لمنازلها وبنيتها التحتية، وجدت بلديتها مع الجمعيات والفعاليات في البيوت الجاهزة فرصة لإعادة الحياة إلى البلدة.
ويؤكد رئيس بلدية رامية علي مرعي، في حديث للجزيرة نت، أن البلدة منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فالبيوت مُسحت، ولهذا وجدت البلدية أن البيوت الجاهزة حل مثالي، فأمّنت 14 بيتًا جاهزًا وستوفر في الأيام القليلة القادمة 50 بيتًا لتكون بتصرف الأهالي.
ويوضح مرعي أن هذه البيوت ضرورية وخاصة للمزارعين الذين خسروا منازلهم، وبحاجة ملحّة لأن يكون لديهم مأوى لكي يعودوا إلى حقولهم، حيث يفوق عددهم 200 مزارع، وكذلك ستعمل البلدية على ترميم بعض الغرف في المدرسة الرسمية المتضررة لتأمين الأهالي فيها لحين البدء بالإعمار.
بيئة ملائمة
جمعية “وتعاونوا” التي عملت طوال فترة الحرب على إغاثة النازحين وتقديم المساعدات لهم كانت أول من بادر إلى تأمين البيوت الجاهزة للمواطنين في الجنوب اللبناني، ويشير رئيس الجمعية عفيف شومان إلى أن الجمعية قدمت 32 بيتا جاهزا لأكثر من 14 قرية، وستواصل خلال الفترة القادمة تسليم كل ما يتم إنجازه من بيوت للبلدات وفقا لآلية موضوعة مسبقا.
ويلفت شومان في حديث للجزيرة نت إلى أن فكرة “وتعاونوا” تهدف لخلق بيئة ملائمة لتنشيط عودة الأهالي من خلال تأمين الاحتياجات الأساسية قبل إعادة الإعمار.
ويؤكد شومان أن إحراق الاحتلال لعدد من البيوت في كفركلا ويارون مردّه إلى استياء الاحتلال من مشهد عودة الأهالي السريعة إلى قراهم، فبدأ منذ اليوم الأول محاولاته لإعاقة هذه العودة ومنع استقرار الأهالي فيها، سواء عبر استهدافاته بالقصف والغارات، أو بإلقاء القنابل الصوتية والمتفجرة، أو من خلال عمليات التمشيط العشوائي التي يقوم بها من مواقعه المشرفة على هذه القرى.
ويقول رئيس جمعية “وتعاونوا” إن هذه الاعتداءات “تدعونا للاستهزاء والسخرية خاصة بعد قيام الاحتلال بقصف وإحراق أحد البيوت الجاهزة الفارغة في بلدة يارون، وهذا العمل على سخافته يندرج في إطار إرهابه للأهالي ومنعهم من التفكير بالاستقرار مجددا في قراهم”.
وردًّا على هذه الاعتداءات، أطلقت الجمعية حملة جديدة لتأمين بيوت جاهزة تحت شعار “بدل البيت.. عشرة، مكملين”، وذلك للتأكيد أن الجمعية مستمرة بالوقوف الى جانب الأهالي.
ويشدد شومان على أن هذه المحاولات العدوانية والإرهابية “لن تثنينا عن مواصلة دعمنا لأهلنا وخدمتهم، إيمانا منا بحقهم علينا بعد ما أظهروه من صبر وتحمل وصمود وإصرار وحرص وطني كبير على العودة إلى آخر شبر في قراهم وإعادة إعمارها”.