يبدو أن الوضع الحالي على الحدود اللبنانية الإسرائيلية يشهد توترات متزايدة، حيث يسعى الجيش الإسرائيلي لإضفاء بعدين جغرافي وديني على حربه ضد لبنان. ويعتبر المحلل السياسي إيهاب جبارين أن هذا التحرك يهدف إلى تأجيج النزاع الطائفي في البلاد، مشدداً على أن الجوانب التي تسلط عليها إسرائيل الضوء، خصوصًا في الفيديو الذي نشرته، تظل مرتبطة ببلدات قريبة من الحدود لم يشر إليها المتحدث الرسمي للجيش بعينها. هذا التكتيك يعكس محاولة إسرائيلية لتسويق إنجاز يتجاوز إدراك الحقيقة الميدانية المعقدة في جنوب لبنان.
تحرك الجيش الإسرائيلي جاء بعد نشر فيديو من قبل الناطق بلسانه دانيال هاغاري، الذي ادعى أن الفيديو يتم تصويره من داخل إحدى القرى الشيعية القريبة من الحدود. تضمن الفيديو تصريحات من جانب الجيش الإسرائيلي تفيد بأن “كل بيت هنا هو قاعدة إرهابية”، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الأهداف الواردة في هذه التصريحات. التركيز على الطائفة الشيعية يعكس رغبة في زعزعة الاستقرار الداخلي في لبنان، وخلق شقاقات بين الطوائف، حيث يسعى الجيش الإسرائيلي لاستهداف الطائفة بشكل عام بدلاً من التركيز على حزب الله فقط.
في هذا السياق، أشار جبارين إلى أن Israel تستخدم آلية “فرّق تَسُد” في محاولاتها لإدخال عناصر الطائفية في الصراع، مستحضرًا تجربة سابقة لهم في قطاع غزة عندما عززوا من سرديات قتل الأبرياء. يقترح هذا التوجه أن هدف إسرائيل هو تحقيق تفكيك للتماسك الاجتماعي في لبنان عبر منح انطباع بأن جميع أبناء الطائفة الشيعية متورطون في الأعمال القتالية، وبالتالي تبرير أي تصعيد عسكري محتمل ضدهم.
في سياق التعليقات على الفيديو، اعتبر المحلل السياسي واصف عواضة أن المعلومات المقدمة في الفيديو لا تقدم أي إنجازات حقيقية للجيش الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن القرى المشار إليها قد فارغت من السكان منذ فترة. واعتبر عواضة أن طبيعة الحدود وموقعها يعنى بوجود مقاومين هناك، وهم من أبناء تلك القرى، مما يجعل من الصعب تصديق أن هذه الصورة يمكن أن تعتبر دليلاً على نجاح عسكري.
كما أن الوضع على الأرض قد شهد تغيرات ملحوظة، إذ اضطر عدد لا بأس به من سكان المستوطنات الإسرائيلية إلى مغادرة منازلهم بسبب الهجمات بالصواريخ من حزب الله. هذه التطورات تشير إلى تصاعد الصراع وامتداده إلى مشاهد أكبر من تلك التي يتم تسويقها عبر الفيديوهات أو الحملات الدعائية الإسرائيلية.
بشكل عام، توضح الأحداث الأخيرة على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أن الأبعاد السياسية والدينية المعقدة التي تشكل طبيعة الصراع منذ زمن، لا تزال تؤثر بشكل كبير على المفاهيم الاستراتيجية لكلا الطرفين. التخوين والتحريض على الطوائف يظل سلاحًا في يد القوى الإسرائيلية، بينما يسعى حزب الله إلى الحفاظ على تعاضد الطائفة الشيعية وتفويت الفرصة على تلك المحاولات، ما يجعل الأحداث القادمة حرجة في تحديد مسار الصراع.