في قرار مفاجئ، أعلن الإخوة الأربعة من عائلة راجاباكسا، الذين يعتبرون من أبرز العائلات السياسية في سريلانكا، عدم ترشحهم للانتخابات البرلمانية التي ستقام في نوفمبر/تشرين الثاني 2023. هذه الخطوة تعكس التراجع الواضح لشعبيتهم وتأثيرهم. تاريخهم السياسي يمتد لعقود حيث لعبوا دوراً مهماً في تشكيل المشهد السياسي السريلانكي منذ الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في عام 1948. تولى ماهيندا راجاباكسا الرئاسة من عام 2004 حتى 2015، بينما استمر أخوه غوتابايا في الحكم حتى عام 2022 قبل أن يترك البلاد بسبب الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت سريلانكا بسبب الأزمات الاقتصادية.
يرى محللون أن تراجع شعبية عائلة راجاباكسا يعود إلى سلسلة من الأزمات التي شهدتها البلاد، وخاصة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تفجرت في عام 2022. تضمنت تلك الأزمات احتجاجات جماهيرية ضد الحكومة، حيث تعرضت عائلة راجاباكسا للانتقاد بسبب فشلها في معالجة الأوضاع الاقتصادية المتردية. يقول مانجولا غجناياكه، المدير التنفيذي في معهد الإصلاحات الديمقراطية، إن هذه الأسرة لم تتخيل أنها ستفقد نفوذها بهذه السرعة، مما يشير إلى أن الوضع يعد كارثياً بالنسبة لهم.
شغل الإخوة راجاباكسا مناصب وزارية هامة خلال فترة حكمهم، لكن أيضاً واجهوا انتقادات حادة تتعلق بالتجاوزات والفساد. تعرض غوتابايا وماهيندا لانتقادات بسبب دلالة انتصارهما في الحرب ضد تمرد نمور التاميل عام 2009 على استخدام تلك الانتصارات كغطاء لسلوكياتهم السياسية والفساد. وفقًا للعديد من المراقبين، فإن الأسرة استخدمت نجاحاتها في الحرب كذريعة لتبرير السياسات الاستبدادية والتمييز العنصري ضد الأقليات، مما أدى إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية في سريلانكا.
تسعى المجتمعات التاميلية في شمال وشرق سريلانكا إلى إرساء حقوقهم من خلال المطالبة بالحكم الذاتي، في ظل ما يعتبرونه تهميشاً من قبل السلطات السريلانكية. وبالرغم من انتصاراتهم في الحرب، يعتقد كثيرون في سريلانكا أن الإخوة راجاباكسا لم يقدموا حلاً سياسياً جدياً للمسألة التاميلية، مما يزيد من تعقيد الموقف العرقي في البلاد. ويؤكد الخبراء أن هذا النزاع العرقي يعتبر أحد العوامل الرئيسة التي ساهمت في تدهور شعبية عائلة راجاباكسا.
على الصعيد الخارجي، تميل سياسات عائلة راجاباكسا بشكل واضح نحو الصين، مما أدى إلى توترات مع الهند والدول الغربية. استثمرت الصين مبالغ طائلة في مشاريع البنية التحتية في سريلانكا، لكن هذه العلاقات زادت من مخاوف الهند بشأن الأمن القومي. تُظهر هذه الديناميات أن الإخوة راجاباكسا لم ينجحوا في بناء سياسة خارجية متوازنة، مما أسهم لاحقًا في تفاقم الأزمات الاقتصادية التي شهدتها البلاد، خاصة في عام 2022 حيث كانت البلاد بحاجة ماسة للدعم الخارجي.
تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، شهدت سريلانكا احتجاجات واسعة النطاق عُرفت بـ “أرغليا”، مما أدى إلى هروب غوتابايا راجاباكسا من البلاد. وقد أسفرت investigations لاحقة من المحكمة العليا عن تحميله ووزراءه مسؤولية تفاقم الأزمة. يقول غجناياكه إن قيادة غوتابايا كانت طفولية، مشيراً إلى أن الدعم الذي كان يتلقاه من عائلته خلال حكم شقيقه صار غير كافٍ عندما تولى الرئاسة. ما يفسر فشله في إدارة البلاد بفاعلية.
في ختام الأمر، تُظهر الحالة الحالية لعائلة راجاباكسا كيف يمكن لنقص الشعبية وفقدان الثقة من قبل الجمهور أن تقود إلى انسحاب ملحوظ من الساحة السياسية. يبقى المستقبل السياسي لعائلة راجاباكسا مجهولاً، خصوصاً في ظل الأزمات المتزايدة والمطالب الشعبية المتزايدة بإصلاحات سياسية واقتصادية. يعد قرار عدم الترشح للانتخابات علامة واضحة على أن زمن النفوذ القوي للعائلة قد ولى، وأن مصيرهم في الساحة السياسية قد تغير نهائياً.