في خطوة تاريخية غير مسبوقة، نجح القطاع الخاص الإيراني في إطلاق قمرين اصطناعيين عبر الصاروخ الروسي “سويوز”، الذي انطلق من قاعدة “فوستوتشني” شرق موسكو. تعتبر هذه المهمة ثالث تجربة تعاون بين إيران وروسيا في مجال الفضاء وسط قيود الأمم المتحدة والعقوبات الأمريكية المفروضة على الدولتين. حمل الصاروخ الروسي القمرين “كوثر” و”هدهد”، المصنعين من قبل شركة “أميد فضاء” الإيرانية، بالإضافة إلى 53 قمراً آخر، مشيراً إلى نجاح العملية بعد إدخال القمرين في مدار يبعد 500 كيلومتر عن سطح الأرض. يُظهر هذا الإنجاز تطور القدرات الإيرانية في مجال الفضاء ويبرز قدرة القطاع الخاص في الابتكار والتعاون الدولي.
تأسست شركة “أميد فضاء” عام 2018 على يد مجموعة من شباب الإيرانيين بهدف تطوير القمر الاصطناعي ضمن القطاع الخاص. وقد تم تصميم وتصنيع قمر “كوثر”، الذي يزن 30 كيلوغراماً، ليكون قادراً على التقاط صور عالية الجودة، مما يُعزز استخداماته في مجالات عديدة منها إدارة الموارد الطبيعية والغذاء ورصد البيئة. بينما يزن قمر “هدهد” 4 كيلوغرامات ويُستخدم لأغراض متعددة، منها خدمات إنترنت الأشياء. تسلط هذه المشاريع الضوء على الإنجازات التقنية التي حققها الشباب الإيراني، وتعكس أيضاً توجه الدولة نحو تطوير قطاع الفضاء بصورة مستقلة.
على الرغم من أهمية إطلاق القمرين، فقد شهدت العملية تأخيرات متعددة لأكثر من عام. حيث أوضح الدكتور حسين شهرابي، المدير العام لشركة “أميد فضاء”، أن التأخير كان نتيجة للتنسيق الضروري مع الشركة الروسية المُشغلة للصاروخ، بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بمواعيد جاهزية الأقمار الروسية الرئيسية. وأشار إلى أن القمرين الإيرانيين يعتبران حمولة ثانوية، وهو ما يدل على أهمية التعاون والاعتماد على التكنولوجيا المتاحة لضمان النجاح.
مدفوعاً بالابتكار والتطوير، خططت شركة “أميد فضاء” الاستفادة من الدروس المستفادة من مشروع “كوثر” لخلق قمر جديد هو “هدهد” خلال عام واحد فقط. كما يعتزم القطاع الخاص الإيراني دخول السوق العالمية لخدمات الأقمار الاصطناعية، وهو ما يعكس طموحاتهم في أن يكونوا جزءاً من الصناعة الفضائية العالمية. يعكس هذا التوجه أيضاً رغبة الشباب الإيرانيين في تحقيق إنجازات علمية لا تقف عند حدود العقوبات والتحديات الدولية.
من ناحية أخرى، يعتبر الباحث الإيراني في الشؤون التقنية، بوريا آستركي، أن إطلاق القمرين يمثل بداية جديدة للقطاع الخاص في مجال الفضاء بإيران. حيث شهد البرنامج الفضائي الإيراني تطوراً ملحوظاً عبر ثلاث مراحل: بدأت من المؤسسات العسكرية، ثم انتقلت إلى المؤسسات الأكاديمية، وأخيراً انخرطت فيه الشركات الخاصة. وأكد آستركي أن إكمال مشاريع فضائية أخرى سيساهم في تعزيز موقف إيران في هذا المجال.
تُظهر العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران منذ عام 2019 تأثيراً سلبياً على برنامج الفضاء الوطني، إلا أن البلاد تمكنت من تطوير التكنولوجيا اللازمة للإنتاج الفعال للأقمار الاصطناعية. يشير الباحثون إلى أن إيران باتت قادرة على مقاومة الضغوط الدولية، وأن هذا الإنجاز يعتبر خطوة نحو تجاوز العقبات وتحقيق الأهداف الفضائية، مما يُبرز القدرة الإيرانية على الاستمرار في تطوير البنية التحتية الفضائية رغم التحديات.