تعكس تجربة سليمان فارس، اللاجئ السوري العائد من لبنان إلى إدلب، المآسي والمعاناة التي يعيشها الكثير من اللاجئين في ظل تصاعد الأوضاع العسكرية. عانى فارس وأسرته من مخاطر عديدة خلال رحلة العودة، وأنفقوا ما يقارب 800 دولار كرسوم تهريب وإتاوات أمام الحواجز العسكرية. وحين وصلت العائلة إلى إدلب، وجدوا أنفسهم يواجهون قصفاً روسياً متزايداً، مما جعلهم يبحثون عن أماكن آمنة في المخيمات؛ ليعيشوا مأساة جديدة بعد أن فروا من القصف الإسرائيلي.
بينما تتم زيارة وفد من الأمم المتحدة للمنطقة، يتعرض النازحون إلى قصف مكثف، وهو ما يبرز التناقض بين الجهود الدولية وواقع الحياة اليومية للمدنيين. تشير التقديرات إلى أن أكثر من 4 آلاف أسرة قد عادت بالفعل من لبنان إلى المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية، في وقت تعاني إدلب من أزمات إنسانية متزايدة بسبب النزاع المستمر. يعاني السكان من نقص حاد في الغذاء والماء، حيث تفاقمت الأوضاع نتيجة التصعيد العسكري والاحتياجات الأساسية غير الملباة.
لكن المشهد لم يتوقف عند ذلك، إذ حذر الدفاع المدني من تداعيات التصعيد العسكري المتزايد، محذراً من احتمال حدوث كارثة إنسانية جديدة. وأكد عبد العزيز الخطيب، أحد اللاجئين العائدين، أنه ترك كل شيء خلفه هرباً من القصف الإسرائيلي وقام برحلة شاقة استمرت أسبوعًا مع عائلته. يعيش الخطيب الآن مع شقيقه، ويعبر عن مخاوفه من تصاعد القصف الذي يعرض استقراره للتهديد، مما يعكس التحديات المستمرة التي تواجه العائدين للبدء من جديد.
ورغم المحاولات العديدة لإعادة البناء، فإن فرص العمل المحدودة تمثل عقبة رئيسية أمام العائدين من لبنان، حيث تفيد الإحصائيات بأن معدلات البطالة في الشمال السوري قد تجاوزت 88%. يتحدث الناشط الإغاثي هيثم الحمود عن الاستجابة المحدودة من المنظمات الإنسانية، حيث أن الكثير من العائدين يجدون أنفسهم مجبرين على الانتقال للعيش مع أقاربهم. الاستجابة الإنسانية، كما يقول، كانت مقتصرة على بعض المساعدات الغذائية والإحالة نحو المخيمات التي تعاني اكتظاظًا ونقصًا في الخدمات الأساسية.
الواقع الصعب الذي يعيشه العائدون من لبنان يسلط الضوء على التحديات المتزايدة التي تواجهها المناطق التي تسيطر عليها المعارضة. يعيش العديد من الأشخاص في وضعية عدم يقين، حيث أن التصعيد العسكري وعدم الاستقرار الاقتصادي يلقي بظلاله على طموحاتهم للعودة إلى حياة طبيعية. في الوقت نفسه، تظل الأوضاع الإنسانية حرجة، مع الحاجة الملحة لتوفير الدعم والمساعدة الضرورية للمدنيين المتضررين.
تظل الأسئلة مطروحة حول كيفية تحسين الأوضاع الإنسانية في شمال غربي سوريا وما إذا كانت المنظمات الدولية قادرة على تلبية احتياجات هؤلاء اللاجئين. مع استمرار النزاع والتحديات الموجودة، يُظهر واقع الحياة في إدلب أن الظلام قد يستمر لفترة طويلة، ما يستدعي تضافر الجهود الداخلية والخارجية لحل الأزمات الإنسانية المتزايدة وتقديم العون لمن تقطعت بهم السبل في ظل صراعات دامية.