السويداء- تعيش محافظة السويداء في الجنوب السوري فراغاً ملحوظاً في السلطة، عقب تقديم محافظها مصطفى البكور استقالته من منصبه يوم الجمعة الماضي، على خلفية اقتحام مسلحين مكتبه في مبنى المحافظة أواخر الأسبوع الماضي، واحتجازه فيه لأجل إطلاق سراح موقوفين دروز على خلفية جنائية لدى السلطات الأمنية في العاصمة دمشق.
وقال عبد الله الدليمي مدير مكتب محافظ السويداء -في اتصال أجرته معه الجزيرة نت- بأنه لا جديد يُذكر في مسألة الاستقالة، ولا علم لديه عن إمكانية تراجع البكور عن استقالته.
وكانت الحكومة السورية قد قامت بتعيين العميد أحمد هيثم الدالاتي قائداً للأمن الداخلي في محافظة السويداء، وهو الذي شغل منصب محافظ القنيطرة الأشهر الماضية، وكان قيادياً في حركة أحرار الشام سابقا، وهو من أبناء ريف دمشق.
ويعتبر بعض المراقبين بأن الحكومة تحاول من خلال هذا القرار إعادة الاعتبار للسلطة المركزية داخل السويداء، مرجحين أنْ يمارس الدالاتي المهام التي كانت مُناطة بالمحافظ خلال الفترة المقبلة، في حين يرى آخرون أنّ هذا التعيين يأتي في سياق تعينات روتينية تُجريها الحكومة بعد إعادة هيكلة جهاز الأمن العام والشرطة، ودمجهما في جهاز جديد يحمل اسم قيادة الأمن الداخلي.
فراغ سياسي وخدمي
تنسجم آراء العديد من الشخصيات الدينية والسياسية في السويداء عند التطرق لأسباب استقالة المحافظ، حيت يرى يوسف جربوع، شيخ عقل الموحدين الدروز في السويداء، أن الأسباب الموجبة والمعلنة لمغادرة المحافظ مكتبه إلى خارج المحافظة تكمن بالتهجم عليه وهو داخل مكتبه بقصد خطفه للضغط على الدولة من أجل إطلاق سراح أحد الموقوفين بدمشق.
ويدين الشيخ جربوع هذا السلوك، ويعتبره محط استنكار من قبل عموم أبناء محافظة السويداء، باعتبار أنه أمر مخالف للأعراف والتقاليد، ومرفوض دينياً واجتماعياً.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن “تداعيات مغادرة المحافظ ستنعكس على المجال الخدمي في السويداء بصورة خاصة، باعتبار أنّه يشكّل صلة الوصل بين المحافظة والحكومة في دمشق، مما يعني انخفاض مستوى الخدمات إلى أقل مما هي عليه اليوم، كما سيفقد المواطنون سبل التواصل مع الحكومة، حيث كان المحافظ يُخصص يوماً كاملاً لسماع مطالب الناس أو شكاويهم”.
وأكد جربوع أن هناك جهودا حثيثة تبذل لإعادة المحافظ لمزاولة عمله، حيث شهدت مضافة آل أبو عسلي وسط السويداء يوم أمس اجتماعاً وصفه بعض الحضور بالكبير والهام، وقد ضمّ الشيخين جربوع ويحيى الحجار قائد حركة رجال الكرامة، وشكيب عزام قائد فصيل لواء الجبل، بالإضافة إلى عدد من وجهاء المدينة وكبار أعيانها.
وخرج المجتمعون ببيان أكدوا فيه:
- تأييد ودعم انتشار عناصر حركة رجال الكرامة ولواء الجبل داخل السويداء، لملء الفراغ الأمني والحفاظ على المؤسسات العامة والخاصة.
- التأكيد على وحدة الأراضي السورية، ورفض مشاريع التقسيم.
- رفض المشاريع الخارجية المشبوهة، ورفض التدخل الخارجي بالشأن السوري.
- الدعوة لاجتماع على مستوى المحافظة للاتفاق على صيغة وطنية جامعة.
استغلال للمرونة
ذكر عضو حزب الشعب الديمقراطي بالسويداء عدنان أبو عاصي أن “غياب المحافظ يحتاج إلى الكثير من النقاش، بعدما قدّم نفسه بطريقة مهذبة ولبقة للغاية، وبمستوى انتماء عالٍ لهذا البلد ولهذه المحافظة”. وأضاف أنّ أبوابه كانت “مشرّعة أمام الجميع” وربما هذا انعكس سلباً في فهم مرونته، وأجاز للبعض التمادي على شخصه، على حد وصفه.
وقال أبو عاصي للجزيرة نت “الأسباب المعلنة التي دفعت الدكتور البكور لتقديم استقالته كانت ناجمة عن التهجّم عليه، وعلى مبنى المحافظة أكثر من مرّة، واستسهال هذا الفعل من قبل البعض، حيث يبدو أن تكرار هذا الفعل ربما أوصله إلى لحظة من اليأس”.
ومن جهة أخرى، يعتبر أبو عاصي أن الأسباب غير المعلنة للاستقالة تتمثل بالإخفاق بإدخال عناصر الأمن العام إلى السويداء، بعدما بذل المحافظ جهداً مضنياً بهذا الشأن، وكان مرناً ومتجاوباً مع كل الطروحات المتعلقة بخصوصه، حتى تلك المطالب التي تقدمت بها جهات ومرجعيات معروفة في السويداء بأنها مرتبطة بالنظام، أو قوى مستحدثة ذات طابع انفصالي.
ويرى المتحدث أن أحداث جرمانا وصحنايا ساهمت بزيادة هواجس وقلق المجتمع المحلي الأمر الذي “زاد حالة الحساسية المحلية من الحكومة السورية، ومن يمثلها في المحافظة، دون أن ننسى خطورة السلاح المنفلت والمنتشر بين مجموعات كثيرة، ودوره السلبي في الحياة العامة”.
وربما كان المحافظ -بحسب أبو عاصي- غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة بمفرده، أو تنفيذ قرارات السلطة بما يخص السويداء، وربما كان هذا أحد الأسباب غير المعلنة التي دفعته للمغادرة، ومن ثمّ تقديم استقالته.
وبالرغم من محاولة تدارك الخلل الأمني في السويداء، والاجتماع الاستثنائي الذي عقده المكتب التنفيذي في المحافظة، بالتعاون مع قيادة الشرطة يوم الخميس الماضي، للتباحث في سبل الحفاظ على أمن وسلامة مبنى المحافظة والعاملين فيه، غير أنّ هذا غير كافٍ لرأب الصدع الذي حدث برأي أحد أعضاء المكتب التنفيذي، والذي تحفّظ عن ذكر اسمه.
ومن جهته يرى المحلل السياسي مجيب الصحناوي أنّ ما تعرّض له المحافظ من إهانة، وفرض إملاءاتٍ معينة عليه من قبل مسلحين، يمثل اعتداء غير مسبوق على أعلى سلطة سياسية في المحافظة.
ويضيف للجزيرة نت أن “هناك أيضاً تراكمات ومواقف سابقة أثقلت كاهل المحافظ، وتجاوزها برحابة صدر، وقد تكون من الأسباب غير المعلنة للاستقالة، أما في هذه المرة فالحادثة هددت سلامته الشخصية من ناحية، وأهانت موقعه كممثل للسلطة القائمة من ناحية ثانية”.
ووفقاً للصحناوي فإن محافظ السويداء حاول جاهداً إيجاد تقارب وتقريب للرؤى بين الشيخ حكمت الهجري والحكومة، وحاول نسج علاقات طيبة مع فعاليات سياسية ودينية واجتماعية في السويداء، مؤكدا أن غيابه سيكون خسارة حقيقية لعلاقة السويداء بدمشق، واحتمالات تحسين هذه العلاقة وإعادتها إلى إحداثياتها الوطنية الصحيحة.
تفعيل المحاسبة
يرى المحلل السياسي وعضو مؤتمر الحوار الوطني جمال درويش أن اقتحام مبنى المحافظة وما تبعها من استقالة البكور ترافق مع استنكار وإدانة شعبية واسعة داخل السويداء، من قبل كل قوى المجتمع السياسية والدينية والشعبية، معتبرا أن ما جرى “يعبر عن أزمة عميقة لها علاقة بمدى قدرة الحكومة على إتاحة تمثيل سياسي وشعبي أوسع في مسارات المرحلة الانتقالية”.
وبحسب درويش فإن أهل السويداء يرغبون بعودة البكور لمنصبه، حيث قد تترك استقالته تداعيات عديدة سلبية، نظراً لأن المحافظ هو ممثل الحكومة في السويداء، وسينعكس غيابه على زيادة التوتر بين المحافظة والحكومة من جهة، وسيزيد من الاحتقان والشحن الطائفي تجاه السويداء من جهة أخرى “وهذا الذي لا نتمناه جميعاً” حسب قوله.
لكن الناشط في “التجمع المدني من أجل سوريا” شادي خويص يعتقد بأن عودة البكور عن استقالته قد تعني القبول بأحد خيارين، أولهما الحل العشائري القبلي للمشكلة المباشرة التي تسببت باستقالته، والمتمثلة بتهجّم مسلحين عليه وهو في مكتبه، أي تقديم الاعتذار إليه، وهذا -برأي خويص- غير كافٍ لأنه يغيّب دور القانون، ويرفع من أسهم الحلول العشائرية.
أما الخيار الثاني فيكمن في جدّية تسليم الفاعلين إلى القضاء، ويضيف للجزيرة نت “هذا الخيار مرتبط بتعقيدات العلاقة بين السويداء ودمشق، لذلك ربما تكون استقالة البكور أهون الشرور”.
ويؤكد خويص أنه سواء قبلت استقالة البكور أم رفضت وعاد إلى منصبه، فهناك ضرورة تحتّم تسليم المجرمين الذين ارتكبوا هذا الانتهاك إلى العدالة، ومجابهة الخطاب الذي يدين السويداء ككل جرّاء هذا السلوك الشائن من قبل خارجين عن القانون”.
واعتبر أنّ هذا الانتهاك “يجب أن يضاف إلى غيره من انتهاكات وقعت على كامل الأراضي السورية منذ سقوط نظام الأسد وحتى اللحظة، ويجب تفعيل المحاسبة بشكل شفاف وواضح ومعلن، بحيث يُنصفُ جميع السوريين”.