تحدث الصحفي طارق عبد الله، خلال حديثه مع الجزيرة نت، عن المرحلة الصعبة التي عاشها خلال اعتقاله في سجن سوبا بالخرطوم، مشيرًا إلى الظروف المأساوية التي مرت بها الجثث المتواجد هناك، حيث توفي 12 معتقلًا بسبب العطش والجوع وأمراض مزمنة. وذكر أنه في الوقت الذي وصل فيه إلى السجن، كانت قوات الدعم السريع تقوم بإخراج تلك الجثث بطريقة غير إنسانية، حيث تم وضعها في أكياس خاصة بجائحة كورونا المنسية، عوضًا عن اتباع إجراءات سليمة لتكفين الموتى ودفنهم بشكل لائق. وهذا يعبّر عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، حيث لا تُحترم حتى الأصول الإسلامية في التعامل مع المتوفين.
من جانب آخر، أكد طارق أن السجناء لم يشاركوا في تشييع جثامين زملائهم، وإنما اكتفوا بأداء صلاة الغائب، نظراً لعدم تواجدهم ضمن الإجراءات الخاصة بالدفن أو التكفين. وأعرب عن عدم معرفته بمصير تلك الجثث بعد نقلها، مما يعكس حالة الذعر وغياب الشفافية في التعامل مع معاملة الجثث في معتقلات الدعم السريع. هذا الواقع يعكس أبعاد الكارثة الإنسانية التي تعيشها البلاد، حيث تبوح الجثث المهملة بالمزيد من الأحداث المأساوية.
ومع تصاعد الحديث حول جثث الحرب، عاد النقاش حول الآثار البيئية السلبية نتيجة وجود جثث غير مدفونة في الشوارع والمنازل. وعند قيام الجيش السوداني باستعادة السيطرة على مناطق كبيرة في الخرطوم، جدد العديد من المهتمين بالموقف انتقاداتهم للسلطات حول كيفية التعامل مع تلك الجثث، وما إذا كانت الإجراءات المتبعة تتماشى مع المعايير الدولية. من خلال تلك المعطيات، يظهر مستوى الفوضى والارتباك الذي يعيشه المجتمع السوداني في ظل الحروب الأهلية المستمرة.
وفي حديثه عن الإجراءات المتبعة للتعامل مع الجثث، صرح المفوض خالد عبد الرحيم بأن لجنة تتكون من الشرطة والطب العدلي وغيرها من الجهات المعنية تشكل للإشراف على عمليات الدفن. وقد أشار إلى ضرورة الحفاظ على كرامة المتوفين وأنه حتى جثث أفراد الدعم السريع ينبغي التعامل معها بشكل إنساني. ومع ذلك، تبقى تساؤلات تتعلق بكيفية تنفيذ هذه الإجراءات على الأرض، في ظل الوضع الأمني والاقتصادي المتردي.
تشير شهادات السكان إلى وجود أعداد كبيرة من الجثث المتحللة في الأماكن العامة وهو ما يعكس واقعًا مأساويًا على الأرض. إذ أوضحت شهيدة أن الجثث دفنت بشكل سطحي في ظل ظروف مروعة. ومع استعادة الجيش للسيطرة، بدأت تظهر حقيقة مؤلمة عن الوضع الجنائزي المتردي الذي خلفته الصراعات. الشيء الذي يثير المخاوف بشأن تلوث الماء والغذاء، وهو ما يستدعي اتخاذ خطوات فعالة من السلطات المختصة لتقليل تلك المخاطر البيئية.
وفور تحسن الأوضاع الأمنية، بدأت السلطات في نقل الجثث الموزعة في الساحات العامة إلى المقابر المخصصة لحفظ كرامتها. فهمت هذه التطورات بأن الوضع يعود تدريجياً إلى طبيعته، حيث بات يتم دفن الجثث بشكل منظم. لكن تبقى المسألة الوطنية بحاجة إلى معالجة شاملة للسير في اتجاه الاستقرار والسلام، بعد تلك التجارب القاسية التي عايشها الشعب السوداني.