في انتخابات الكونغرس التمهيدية لعام 2024، سعى النائب جمال بومان، ممثل المقاطعة 16 في ولاية نيويورك، للحصول على دعم المجتمع المسلم له في حملته الانتخابية. وقد أوضح أنه يحتاج إلى دعم مالي وإعلامي لمساعدته في الحفاظ على مقعده في مجلس النواب. كان بومان قد عبّر عن دعمه لوقف الحرب الإسرائيلية ودعوة الولايات المتحدة لوقف الدعم العسكري لإسرائيل. لكن، بينما حاول ناشطون جمع الأموال لدعمه، وجدت هذه الجهود عائقًا كبيرًا، حيث لم يتمكنوا من جمع أكثر من 20 ألف دولار في الوقت الذي أظهرت فيه التقارير أن اللجنة الأمريكية للشؤون العامة الإسرائيلية “أيباك” أنفقت أكثر من 14 مليون دولار لضمان خسارته، مما يسلط الضوء على التباين الكبير في إمكانية التمويل بين الجانبين.
محنة بومان تعكس نموذجًا أوسع للطريقة التي يعمل بها المال السياسي في الولايات المتحدة. المال يعد عاملًا رئيسيًا في الانتخابات، حيث أنه يمكن أن يحسم نتائج بعضها، حتى لو كانت هناك عوامل أخرى تؤثر على ذلك. وقد ساهمت جماعات الضغط واللوبيات، لا سيما اللوبي المؤيد لإسرائيل، في تأمين تمويل ضخم للمرشحين الذين يوافقون على أجندتها. في المقابل، لا يزال المجتمع المسلم في أمريكا غير منظم بنفس القدر، مما يحد من تأثيره في السياسة.
تاريخيًا، أظهرت تجربة الأمريكيين من أصول يهودية كيف يمكن للمال والسياسة أن يرتبطا بشكل وثيق. إلى جانب انخراطهم في النظام السياسي، فقد تمكنوا من بناء شبكات قوية تعزز منقدرتهم على التأثير. فعلى سبيل المثال، شيلدون أديلسون، الملياردير المؤيد لإسرائيل، لعب دورًا كبيرًا في تمويل حملات انتخابية. ومع أن عدد الأمريكيين اليهود صغير نسبيًا، إلا أنهم استفادوا من تاريخ طويل في بناء التحالفات واستثمار الأموال لتحقيق مصالحهم.
ومقارنةً بذلك، يواجه المجتمع المسلم العديد من التحديات، مثل حداثته في المشهد السياسي الأمريكي، وعدم وجود وحدة بين مختلف المجتمعات المسلمة التي تمثل جنسيات متعددة وأولويات مختلفة. هذه البنية المتنوعة تجعل من الصعب تحقيق أي جهود جماعية فعالة. الاعتقاد بأن المسلمين يجب أن يتحلوا بالوحدة كان إحدى الرسائل من المجتمع، لكن التباينات الثقافية والعرقية تعقد من تحقيق ذلك.
ومع ذلك، هناك مؤشرات على بداية تحركات نحو تحفيز الفاعلية السياسية لدى المسلمين في أمريكا، خاصة مع ظهور جيل ثان وثالث من أبناء المهاجرين الذين أدركوا أهمية الانخراط في العملية السياسية. قدّم هذا الجيل أصواتًا قوية في الاعتراض على السياسات الإسرائيلية، في ظل تزايد التعاطف مع القضية الفلسطينية. هذه الديناميات تشير إلى وجود إمكانات أكبر للمسلمين إن تمّ تنشيط المشاركة السياسية ومنحها أولوية.
ومن المهم أن يدرك المسلمون في أمريكا أهمية المال السياسي وكيفية استثماره بشكل فعال. على الرغم من أن الجزء الأكبر من تبرعاتهم يذهب إلى العمل الخيري والديني، إلا أن فتح مجال التبرع للأغراض السياسية يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا. فعلى سبيل المثال، تفيد الدراسات بأن العديد من المسلمين في أمريكا يساهمون بمبالغ كبيرة في الزكاة، وهو الأمر الذي يمكن توجيهه نحو دعم القضايا السياسية التي تعزز من وجودهم وتساهم في تغيير الوضع. يمكن أن يتخطى الجمع بين الجهود المالية والسياسية الحواجز المقيدة ويعزز تأثيرهم الجماعي في السياسة.
في الختام، يمكن القول إن بناء جماعات ضغط سياسية فعالة من قبل المجتمع المسلم ليس مجرد خيار، بل ضرورة ملحة لتعزيز وجودهم وتأثيرهم في الساحة السياسية الأمريكية. يتطلب ذلك العمل المستمر، التنظيم الجيد، واستثمار الموارد بطريقة استراتيجية، مما قد يسفر عن نتائج إيجابية خاصة في سياق دعم القضايا المتعلقة بالحقوق الفلسطينية.