تتزايد التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين من جهة أخرى، في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة. في أغسطس 2024، أعلنت الفلبين عن إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة وكندا وأستراليا في منطقة بحر جنوب الصين، وهي خطوة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والرد على التحديات المتزايدة من بكين. وبالمقابل، قامت الصين بزيادة تواجدها العسكري من خلال تسيير دوريات مشتركة في الميدان البحري والجوي بالقرب من جزيرة “هوانغيان”، والتي تشكل نقطة خلاف رئيسية بين الفلبين وبكين. الفلبين لديها معاهدة دفاع مشترك مع الولايات المتحدة وكذلك مع اليابان، مما يثقل كاهل العلاقات الإقليمية ويزيد من التعقيدات في البحر.
في ظل النزاعات المستمرة في المنطقة، تحولت تايوان إلى نقطة ساخنة رئيسية. بعد الحرب الأهلية الصينية عام 1949، ظلت تايوان تحت الحكم المنفصل عن جمهورية الصين الشعبية، مما خلق أزمات معقدة في مضيق تايوان الذي يعتبر ممرًا دوليًا حيويًا. تُستخدم الولايات المتحدة تايوان كوسيلة لمواجهة الصين، في حين تؤكد بكين على أنها جزء لا يتجزأ من أراضيها. هذه التصورات المتباينة تخلق بيئة من عدم الثقة والقلق، مع تأكيدات من البحرية الأسترالية والنيوزيلندية لتأكيد أن المضيق هو ممر دولي مما يعارض الادعاءات الصينية.
تصاعدت النزاعات البحرية في بحر جنوب الصين، حيث تدعي الصين ملكيتها لمعظم هذه المساحة البحرية الغنية بالموارد مثل النفط والغاز. يعتبر هذا البحر ممرًا حيويًا للتجارة العالمية، ويمر عبره نحو ثلث التجارة العالمية بقيمة تصل إلى 3.37 تريليونات دولار سنويًا. دول مثل الفلبين وماليزيا وفيتنام تتنافس مع الصين على السيادة في مناطق بحرية غنية، بينما تستمر بكين في بناء جزر صناعية لدعم وجودها العسكري. رداً على ذلك، نفذت الولايات المتحدة وحلفاء آخرون عمليات “حرية الملاحة” ضمن جهودهم لإيجاد توازن في المنطقة والمضايقة على ادعاءات الصين.
التحركات الأمريكية الأحدث تحت شعار “كواد” (QUAD) تشير إلى العودة القوية للولايات المتحدة إلى منطقة المحيطين الهندي والهادي، وتعبّر عن قلقها المتزايد من صعود الصين. هذا الائتلاف العسكري، الذي يتضمن اليابان والهند وأستراليا، يتمحور حول تطويق بكين عسكريًا واقتصاديًا. إدارة بايدن أكدت على ضرورة تحقيق توازن مع الصين عن طريق تعزيز التحالفات الأمنية في المنطقة، مما يؤثر سلبًا على العلاقة بين بكين وواشنطن. في سبتمبر 2024، انعقدت قمة “كواد” حيث تم توجيه سهام الانتقاد نحو الصين من قبل القادة المشاركين، بصرف النظر عن عدم ذكرها صراحة.
عند الحديث عن سياسية أمريكا في المنطقة، فهناك تكثيف للأنشطة الاقتصادية والعسكرية التي تستهدف الحد من نفوذ الصين. تم فرض رسوم جمركية جديدة على بعض المنتجات الصينية، بما فيها السيارات الكهربائية، في سياق جهود واشنطن لتعزيز وجودها العسكري أمام التحركات الصينية. الولايات المتحدة تعمل على دعم حلفائها في المنطقة، وتوجيه انتقادات حادة للتحالفات العسكرية التي تنشئها الصين؛ بينما تدرك بكين المخاطر المرتبطة بهذا التوجه، لذا تسعى إلى تطوير قدراتها العسكرية وتوسيع نفوذها بدون أي صراع قد يحول دون تحقيق أهدافها.
في سياق التوترات المتزايدة، تُعبر الصين عن رغبتها في الحفاظ على استقرارها السياسي والاقتصادي، مُدركةً المخاطر المرتبطة بتعزيز التحالفات الأمريكية. الشراكة الاقتصادية المعقدة بينها وبين الغرب، والتي تشمل استثماراتها الكبيرة في السندات الأمريكية، تمثل دافعًا للصين لتجنب المواجهة العسكرية. على الرغم من أن بكين تفضل الحوار والاستعداد لخلافات مستقبلية، إلا أن التحالفات العسكرية التي تتشكل حولها، مثل “كواد”، تعمل على تأجيج المخاوف من أزمة عسكرية محتملة يمكن أن تؤثر على سيادتها وتطلعاتها العالمية.
إن الاستجابة للسياسات الصينية المتزايدة العدوانية لا تعزز فقط حضور الولايات المتحدة في المنطقة، بل أيضًا تثير انتقادات من دول أخرى ترى أن هذه التحالفات تعود بالعالم إلى أجواء الحرب الباردة. بينما تسعى الدول الكبرى لتعزيز نفوذها، يتضح أن المنطقة مقبلة على تحديات جديدة، مما يستدعي المزيد من الدبلوماسية والجهود المشتركة للحفاظ على استقرار الوضع الجيوسياسي في مواجهة الطموحات الصينية.