خلال الأسابيع القليلة الماضية، دفعت الاعتداءات الإسرائيلية المتزايدة على المناطق الجنوبية في لبنان، وخاصة منطقة البقاع الغربي، العديد من المواطنين، لا سيما أولئك الذين تعرضت منازلهم للتدمير بشكل كلي أو جزئي، إلى البحث عن ملاذ آمن في القرى والبلدات البعيدة عن مناطق الصراع. لقد شهدت حركة النزوح ذروتها في شهري سبتمبر وأكتوبر، مما يعكس تأثير الأعمال العسكرية على الحياة اليومية للمواطنين في هذه المناطق. وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها أبناء الجنوب إلى مناطق أكثر أمانًا، حيث سبق أن شهدت المنطقة حالات نزوح مشابهة في سنوات متعددة مثل 1978 و1996 و2006، بينما مرّت فترات من الاستقرار النسبي بين تلك الأحداث.

لسنوات، أصبح الجنوبيون يعتمدون على “بيوتهم الثانية” عند مواطنين في الداخل اللبناني كملاذ امن في أوقات الأزمات. وبغض النظر عن وجود صلات عائلية أو صداقة مع المضيفين، فقد أبدت المجتمعات المحلية والجمعيات الأهلية استجابة سريعة من خلال فتح المدارس ومراكز الإيواء لتقديم الدعم للنازحين. ومع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية في الفترة الراهنة، تشير التقارير إلى أن الاحتلال يسعى لتفجير الأوضاع الأهلية من خلال التصعيد العدواني ونشر الشائعات. إلا أن سكان القرى المضيفة أعربوا عن تضامنهم مع النازحين، مؤكدين على قوة الوحدة الوطنية في مواجهة مثل هذه التحديات.

في هذا السياق، يتجلى “سلاح الوحدة” في موقف سكان القرى المضيفة من الاعتداءات الإسرائيلية. فقد شهدت محاولات عدة لاستهداف الجنوبيين حتى في أماكن نزوحهم، حيث كانت تُستخدم أساليب التحريض لإفساد العلاقات بين النازحين والمجتمعات المضيفة. ومع ذلك، أصبح واضحًا أن هذه المحاولات لم تنجح في السابق، ورغم تصاعد القصف، تظل الروابط الإنسانية معززة بين النازحين والمضيفين، حيث أكد الكثيرون على عدم تأثير العداوات على دعمهم للمحتاجين. العديد من الأهالي الذين أبدوا حسن نية واستعداد للتضامن مع النازحين اعتبروا أن الألم الناتج عن الأزمات هو ألم مشترك لا يتجزأ.

عندما نقترب من تفاصيل جهود الإغاثة، يتحدث العديد من القادة المحليين ومن بينهم الحاج محمد المجذوب، رئيس اتحاد بلديات السهل، عن قوة العلاقات الإنسانية التي تتجلى في هذه الأوقات الصعبة. وأكد المجذوب أن المجتمع المحلي يعمل بشكل جماعي لاستقبال النازحين وتأمين احتياجاتهم الأساسية. حتى عندما ارتفعت أعداد النازحين إلى مستويات تفوق القدرة الاستيعابية للمنازل الخاصة، جرى إنشاء مراكز إيواء في المدارس الرسمية، مما يظهر حرص المجتمع على دعم النازحين بكافة السبل المتاحة. الجهود متعددة الأطراف تشمل الجمعيات المحلية والدولية، مما يؤكد على أهمية التعاون الدولي في مواجهة الأزمات الإنسانية.

في الوقت نفسه، تبرز المخاوف من تداعيات اقتصادية وصحية تعقد الأزمة. حيث حذرت سوسن أبو حلا، رئيسة مركز الشؤون الاجتماعية في راشيا، من أن فصل الشتاء قد يحمل تحديات أكبر من حيث توفير وسائل التدفئة والغذاء للنازحين. لذا، تسعى المنظمات والمجتمعات المحلية جاهدة لتلبية الاحتياجات الأساسية والتغلب على المضاعفات الناتجة عن هذه الأزمات المتعاقبة. الإغاثة ليست فقط جسدية، بل تشمل أيضًا دعم نفسي وتقديم العون للأطفال الذين يعانون من الصدمات.

وفي السياق ذاته، تشهد بلدة راشيا استقبالًا كبيرًا للنازحين، مما يدل على نجاح التنسيق بين الأحزاب المحلية والجمعيات الأهلية. وكما أشار عارف أبو منصور، وكيل داخلية الحزب التقدمي الاشتراكي في المنطقة، فإن التنسيق الأمني مع القوى الأمنية المحلية يتيح توفير بيئة آمنة ومواتية للنازحين، مما يؤدي إلى خفض التوترات المحتملة. الأطراف المختلفة تعمل معًا لضمان رفاهية النازحين وتقديم أفضل الخدمات، مما يسهم في حماية المجتمع المحلي من أي محاولات إسرائيلية لزعزعة الاستقرار.

في الختام، تتجلى قوة المجتمعات المحلية في تصديها للأزمات واحتضانها للنازحين، فكلما تصاعدت الاعتداءات، تعززت الروابط بين الأفراد. تعتبر هذه المرحلة اختبارًا قويًا للتضامن الوطني وتجاوز الفجوات الاجتماعية والثقافية. بالرغم من آلام النزوح والتحديات، يظل الأمل قائمًا في تجاوز هذه الظروف واستعادة الهدوء والأمان في لبنان، حيث تؤكد التصريحات المتعددة على أهمية الوحدة والتعاون بين مختلف الفئات في المجتمع للحفاظ على السلام والتماسك الاجتماعي.

شاركها.
© 2024 خليجي 247. جميع الحقوق محفوظة.
Exit mobile version